قوات أمريكية في العراق بعد الغزو عام 2003.(أرشيف)
قوات أمريكية في العراق بعد الغزو عام 2003.(أرشيف)
الجمعة 19 أبريل 2019 / 10:08

سوريا 2019 ليست العراق 2003

انتقد الباحث سام سويني، في مقال بمجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية المؤيدين والمعارضين، على حد سواء، لبقاء القوات العسكرية الأمريكية في سوريا؛ معتبراً أنهم لا يدركون أن الأوضاع في سوريا الآن تختلف عن العراق قبل الغزو الأمريكي في 2003.

الوضع بالنسبة للوجود الأمريكي في شمال سوريا مختلف عما كان عليه في العراق بعد الغزو، إذ يعتبر السكان المحليون في هذه المنطقة أن الولايات المتحدة هي الضامن للاستقرار والحماية ضد العدوان من تركيا أو نظام الأسد

ويُشير الباحث إلى أن جدوى الوجود الأمريكي في سوريا أثار الكثير من الجدل خلال الأشهر القليلة الماضية منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سحب القوات الأمريكية من سوريا في ديسمبر(كانون الأول) الماضي، ولكن في وقت لاحق تم الإعلان عن بقاء 400 جندي أمريكي في شمال سوريا، بيد أن التفاصيل لا تزال غير واضحة.

مفاجأة صادمة
ويلفت الباحث إلى أن إعلان ترامب عن الانسحاب كان بمثابة مفاجأة صادمة للبنتاغون والكثير من المسؤولين في الإدارة الأمريكية، كما أثار انتقادات من مؤيديه ومعارضيه على حد سواء، بينما كان الانسحاب موضع ترحيب من قبل البعض. ويرى المؤيدون لقرار ترامب أن العديد من المدافعين عن الوجود الأمريكي في سوريا هم الأشخاص أنفسهم الذين قادوا الولايات المتحدة إلى الحرب في العراق، وقد كانوا مخطئين آنذاك، ولذلك يرجح أنهم مخطئون الآن أيضاً.

ويوضح الباحث أن التنبؤات والتحليلات حول غزو أمريكي وشيك للعراق خلال 2002 و2003 كانت خاطئة بشكل مذهل حول ما سيحدث؛ وبخاصة لأنه لم يكن لدى العراق أسلحة للدمار الشامل كما زعم وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أمام مجلس الأمن الدولي في فبراير (شباط) 2003.

وعلاوة على ذلك، فإن العديد من الخبراء أنفسهم الذين كانوا سبباً في الغزو الأمريكي للعراق، دافعوا فيما بعد عن الموقف الأمريكي العدائي ضد الأنظمة العربية الديكتاتورية في 2011، وانضمت إليهم أصوات واسعة من اليسار واليمين الذين شعروا أن لحظة التغيير قد جاءت أخيراً في العالم العربي مع الاحتجاجات في شوارع حلب والقاهرة وبنغازي وأماكن أخرى.

خطأ فادح
ولكن الاحتجاجات العربية التي اندلعت في 2011 تختلف اختلافاً جذرياً عن غزو العراق في 2003، بحسب الباحث، إذ كانت الولايات المتحدة تُسقط دكتاتورية صدام حسين من جانب أحادي، بينما كانت الشعوب نفسها في 2011 هي التي تعارض ديكتاتورية أنظمتها الحاكمة. ولكن رغم الخطابات المليئة بالديمقراطية والسلام خلال الاحتجاجات العربية وحتى من قبل المنفيين العراقيين قبل الغزو الأمريكي، إلا أن هذه الخطابات فشلت في مطابقة الواقع، ولم تكن هناك أي خطة سياسية أو حركة للالتفاف حولها، وللأسف فإن الوحدة في أماكن مثل ليبيا وسوريا في 2011 جاءت من فصائل سلبية غير مرغوب فيها.

ويرى الباحث أن الرئيس ترامب محق في عدم الانصات إلى الخبراء وصانعي السياسات الذين قادوا الولايات المتحدة إلى الحرب في العراق، ويبدو أنهم يدفعون أمريكا أيضاً إلى حرب غير ضرورية على إيران بتأييدهم البقاء الأمريكي في سوريا؛ حيث أنهم لم يتعلموا أبداً الدرس مما حدث في العراق، ولم يقرّ سوى عدد قليل منهم المسؤولية الأمريكية عن الخطأ الفادح في غزو العراق عام 2003.

هزيمة داعش
ويقول الباحث: "من سوء الحظ أن النقاش العام حول الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط يسيطر عليه أولئك الذين يريدون كل شيء أو لا شيء، أي أن تكون القوات الأمريكية في كل بلد بالمنطقة طوال الوقت، أو من يرغبون في الانسحاب الفوري من كل مكان. ويتجاهل ذلك حقيقة أن كل تدخل أمريكي يختلف عن الآخر، وأن الوضع في شمال سوريا يختلف اختلافاً جذرياً عن العراق".
ويلفت المقال إلى أن الولايات المتحدة اعتمدت على حليفتها قوات سوريا الديمقراطية في هزيمة داعش بشمال سوريا وطرد التنظيم الإرهابي من معاقله السابقة في أماكن مثل الرقة ومنبج حتى سقوط آخر الجيوب التي كانت باقية تحت سيطرة داعش في الثالث والعشرين من مارس(آذار) الماضي.

الديمقراطية والفوضى
وعلى الرغم من دعم الولايات المتحدة لجماعات المعارضة المسلحة خلال رئاسة أوباما، فإنها لم تلتزم بإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة، ولم يتوافر لدى جماعات المعارضة خطة متماسكة لحكم البلاد، واختلطت مفاهيم الحرية والديمقراطية بالفوضى؛ لأنهم سعوا لإسقاط كل جوانب الدول السورية مع نظام الأسد، وباتت المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في نهاية المطاف ملاذات آمنة للجماعات المتطرفة، لاسيما في ظل غياب الجهاز الأمني الفعال الذي يحافظ على الأمن والاستقرار، وهو أمر شاق في سوريا كما هو الحال في العراق.

ويلفت الباحث إلى أن الفوضى التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 جعلت معظم العراقيين ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها قوة احتلال في بلادهم تستهدف سرقة النفط وحماية إسرائيل، بيد أن الوضع مختلف بالنسبة للوجود الأمريكي في شمال سوريا؛ إذ يعتبر السكان المحليون في هذه المنطقة أن الولايات المتحدة هي الضامن للاستقرار والحماية ضد العدوان من قبل تركيا أو نظام الأسد.

دعم قوات سوريا الديمقراطية
وعلى النقيض من المعارضة السورية أو المسؤولين الأمريكين الذين كانوا بالعراق بعد 2003، تدرك قوات سوريا الديمقراطية أن الحرية تقوم على الاستقرار، ولذلك تسعى بجد للحصول على الموافقة المحلية على مشروعها السياسي "الإدارة المستقلة"، وبخاصة لأن شمال سوريا يقطنه خليط من الأعراق والديانات: العرب والأكراد والأرمن والتركمان وغيرهم، ولكن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية لن تستمر من دون الدعم الخارجي بسبب تهديدات تركيا ونظام الأسد بالغزو حال انسحاب الولايات المتحدة.

ويضيف الباحث أن الولايات المتحدة حاولت استخدام القوة العسكرية في العراق لإعادة تشكيل المجتمع إلى شيء لم يكن عليه من الأساس. وكان من الأجدر بها تفعيل التغيير الاجتماعي وخلق وحدة وطنية على نطاق واسع وفي فترة زمنية قصيرة من أجل انجاح جهودها. ولكن الوضع في سوريا يختلف بشكل ملحوظ، لأن الولايات المتحدة تدعم كياناً محلياً (قوات سوريا الديمقراطية) أثبت قدرته على توفير الاستقرار والحكم الذاتي، وتوفر له الولايات المتحدة القوة العسكرية والخبرة اللازمة لنجاحه.

ويختتم الباحث قائلاً: "قوات سوريا الديمقراطية وحلفاؤها المدنيون هم الحصن ضد عودة تنظيم داعش الإرهابي، لا الولايات المتحدة التي تقدم لهم يد العون فقط. وهذا الاختلاف الأساسي غائب عن أذهان الخبراء وصناع السياسة الأمريكيين الذين كانوا مخطئين للغاية بشأن غزو العراق والاحتجاجات العربية، لدرجة أنه يجب عدم الاستماع إليهم مرة أخرى، كما يفعل الرئيس ترامب الذي يتجاهل نصائحهم، فمن العار أن يكونوا على صواب في بقائنا في سوريا لأن ذلك قد يدفعنا إلى المغادرة قبل الآوان".