برنارد هنري ليفي وسط قادة المتمردين على القذافي في 2011 (أرشيف)
برنارد هنري ليفي وسط قادة المتمردين على القذافي في 2011 (أرشيف)
الثلاثاء 23 أبريل 2019 / 20:40

أقنعة برنارد ليفي

يمكن التعامل مع فقاعات برنارد ليفي المتلاحقة باعتبارها حدثاً عابراً محدود التأثير في مسارات ما بات يعرف بـ"الربيع العربي" وربما تنميطها بوضعها في سياقات تبلور الظاهرة التي تغير أحداثها شكل المنطقة وفي الحالتين، هناك أهمية لقراءة مختلفة تأخذ في اعتبارها تقاطعات حضوره، ومآلات تفكيره غير الخافية على متابعيه.

محاولة توسيع مشهد الرفض الذي يلاقيه حضوره في البلاد التي تعرضت للتدمير والتقسيم تقود إلى صربيا حيث قذفه ناشط سياسي ذات يوم بفطيرة مغطاة بالكريما

لدى إطلالته على الجزائر إثر تراجع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن الإيغال في دوامة العهدة الخامسة، حاول ليفي ركوب الموجة باستحضار الروائيين غابرييل غارسيا ماركيز، وألبيركامو، لكن الشارع الجزائري فوت عليه في اليوم التالي فرصة ركوب حراكه برفع الأعلام الفلسطينية إلى جانب الجزائرية.

انكشافه في شمال أفريقيا لم يبدأ من الجزائر، ففي تونس استُقبل بتظاهرات احتجاج اضطرت السلطات إلى إخراجه من البوابة الخلفية لمطار قرطاج، والتنصل من اتهامات دعوته إلى البلاد.

وفي الحالتين التونسية والجزائرية، تصرف الشارع على أرضية رفض إيصال البلدين الى ما وصلت إليه ليبيا من عنف ودمار، ارتبط بشكل أو بآخر بحضور ليفي في المشهد الليبي، وعلاقاته مع نشطاء سياسيين ليبيين قيل إنه ذهب إلى تونس للقائهم.

محاولة توسيع مشهد الرفض الذي يلاقيه حضوره في البلاد التي تعرضت للتدمير والتقسيم، تقود إلى صربيا أين قذفه ناشط سياسي ذات يوم بفطيرة مغطاة بالكريما ليذكر بدعمه قصف حلف الناتو، الذي أدى إلى تقسيم يوغوسلافيا.

لا يقتصر نبذ ليفي على تيارات يسارية وقومية، أو مناهضة للصهيونية، ففي فرنسا واجه أصحاب السترات الصفراء حين كتب مقالاً في مجلة "لوبوان" وصفهم فيها بلصوص اليمين واليسار المتطرفين وحذرهم من الانتهاء إلى مزبلة التاريخ.

طفت على سطح تفكيره وتعبيره في العامين الماضيين مظاهر عنصرية وازدواجية معايير تتجاوز ما يُمكن أن تفضي إليه مقارنة أو مقاربة المواقف بين ما يحدث في شمال أفريقيا، وحراك السترات الصفراء في فرنسا، إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.

بين هذه المظاهر كتابه "الإمبراطورية والممالك الخمس" الذي صدر في العام الماضي، ويصر من خلاله على تبرئة إسرائيل من الفاشية العنصرية فيها، ويتجاهل نشوء وطبيعة وأدبيات الحركة الصهيونية التي أفرزت دولة احتلال تقوم على إسقاط شعب من الوجود، وتحويله إلى كائنات غير مرئية.

تسلط متاهاته وتناقضاته وأقنعته المتساقطة بعض الضوء على صورة العرب في مخيلته، ولا يحتاج الأمر كثيراً من التفكير للوصول إلى أنهم في أحسن حالاتهم كائنات لا تعي ما يدور حولها، وتنتظر الذي يجود عليها برؤية هنا أو فكرة هناك، لتتدبر واقعها وترسم معالم مستقبلها، فمن غير المعقول أن يقفز بين كتابه الأخير وتقديم النصح للجزائريين خلال فترة زمنية لا تتجاوز العام، إذا لم تكن لديه مثل هذه القناعة.

تلتقي عدة عوامل عند تحويل ليفي إلى لاعب في بلادنا، أكثرها وجاهةً تقصير نخبنا في تفكيكه وجهل شعوبنا بدوافعه، وانقيادها الأعمى للحرية والعدالة التي تحولت إلى ثمار محرمة يُمكن استخدامها طُعماً لتدمير بلاد، وتغيير خرائط .