متظاهرون في الجزائر (أرشيف)
متظاهرون في الجزائر (أرشيف)
الإثنين 6 مايو 2019 / 20:38

من يحكم الجزائر؟

الجزائر اليوم مفاجئة، مئات الآلاف في الشارع بلا صدام ولا تخريب ولا عنف. الجيش الذي أطبق على الحياة العامة وتجرأ على الرئيس الذي اختاره فاغتاله في علن ساطع، هو الآن يتخلى عن الرئيس الذي فرضه أربع مرات وكاد أن يفرضه للمرة الخامسة.

هكذا تمت استقالة بوتفليقة واستقالة الآخرين وسيلحقهم كثيرون. لكن الشارع بقي يغصّ بالحشود ولا يزال صامداً ومصرّاً وهدفه غير مخفي، الإطاحة بالنظام

الرئيس الذي يعرف الجميع أنه لا يقدر صحياً على الحكم ولا يملك أن يقرر، وكل ما في الأمر أن ثمة من يحكمون من وراء ظهره ويتكلمون باسمه ويريدونه أن يبقى رئيساً للمرة الخامسة وربما لمرات أكثر ليستمروا في الحكم من ورائه. الآن يطابق هؤلاء الحراك الشعبي ويتظاهرون بتأييده، وينتزعون من الدستور فقرات تطابقه.

الجميع يعرف أن الزمرة التي حول بوتفليقة وعلى رأسهم شقيقه هم بيادق في يد الجيش الذي ببساطة انقلب عليهم. الجيش الذي أودع قادة الثورة، بن بلا ورفاقه، في سجن طويل شاخوا فيه وأسنّوا، وأجهز عليهم واحداً تلو الآخر بعد أن أفرج عنهم، والذي يمسك بزمام الأمور منذ البداية الى الآن، يتظاهر اليوم بمساندة الحراك الشعبي بعد سلسلة من البوادر المتناقضة بدأت بترشيح بوتفليقة مرشحاً وحيداً تقريباً للرئاسة. الأمر الذي كان يعني بوضوح أن لا أحد سوى شبحه في الحكم ومن ورائه الحكام الفعليون: جنرالات.

اليوم وقد وصل الحراك الى ذروته وما عادت ممكنة مجابهته ينقلب الجنرالات على الرئيس الغائب تقريباً، ويصل الأمر الى إقالة رئيس المخابرات وهي الحاكم الفعلي ويصل الصراع الداخلي الى إقالة رئيس الأركان، الإقالة التي ضرب بها عرض الحائط ليعود رئيس الأركان إلى الشاشة ومن هناك يؤيد الحراك الشعبي الذي لم ينخدع بتأييد الجيش وبقي في الشارع بذات الحجم، وندد بالثلاثة المسمّين لخلافة بوتفليقة وطالب برحيل النظام، الأمر الذي يعني الإطاحة بالجنرالات، وبالزمرة التي تؤيدهم والتي يحكمون باسمها ومن ورائها.

من الواضح أن الجنرالات لا يمانعون في رحيل الجميع وإسقاط دماهم ومن يحكمون باسمهم. هكذا تمت استقالة بوتفليقة، واستقالة الآخرين وسيلحقهم كثيرون. لكن الشارع بقي يغص بالحشود ولا يزال صامداً ومصراً وهدفه غير مخفي، الإطاحة بالنظام، الأمر الذي يعني استقرار العسكر في ثكناتهم وقيام دولة مدنية.

الجيش يحكم الجزائر لكن الجيش شكل لمن يطلقون على أنفسهم اسم المجاهدين، ويباهون حتى الآن بنضالهم ضد الاستعمار الفرنسي. مباهاة تجعلهم دوماً فوق المجتمع وتحولهم الى ارستقراطية عسكرية وإلى نخبة متسلطة، الأمر الذي لا يستوي إلا بنسيان أو تناسي التاريخ الجزائري الحديث، فالكلام عن جبهة التحرير الجزائرية يقال دائماً بنوع من التصنيم، والعود إلى التاريخ الحديث تاريخ المقاومة ضد الفرنسيين يقال بنوع من العصمة، والحصانة، والتقديس.

 الأمر الذي يفضي الى تقديس الجبهة وتقديس الجيش الذي صدر عنها، والتقديس يوازي النسيان بل ويقتضيه. لذا لا يتذكر أحد إلا أن الجبهة قاومت وأجبرت الاحتلال على الخروج والانزياح.

لن يذكر أحد أن الجبهة، حتى يومذاك، كانت صورةً عن الجزائر بمناطقها وأطرافها وجماعاتها، وأنها كانت فرقاً وزمراً وجماعات، وأن الصراع بين هذه الجهات كان يصل إلى الحرب والسلاح والجهوية، وأن حروباً كهذه كانت على شفا الحرب الأهلية بل كانت نوعاً من النزاع الأهلي، وأن أطرافها كانت تتأثر بالمحيط والخارج.

لن يذكر أحد بل سيُنسى عن عمد الحرب الأهلية الأخيرة التي زج الجزائر فيها، فضلاً عن جبهة الإنقاذ الإسلامية، الجيش نفسه.

 الحرب الأهلية التي حولت الجزائر إلى بحر دم، ولم يكن ذلك بفعل الجبهة الإسلامية فقط، بل أيضاَ وبالدرجة نفسها بفعل الجيش، الذي لم يكن أقل دموية من الجبهة الإسلامية. الآن حين ينزل الشعب إلى الشارع فليحاكم النظام والعسكر عن كل هذا الماضي الذي لم ينسه.