عنصر من ميليشيا حزب الله الإرهابية (أرشيف)
عنصر من ميليشيا حزب الله الإرهابية (أرشيف)
الأحد 26 مايو 2019 / 14:21

العقوبات على إيران.. "فاتورة باهظة" تستنزف حزب الله

24- نيفين الحديدي

وجهت الأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، صفعة قوية إلى حزب الله اللبناني، وانعكست الأزمة المالية التي تعاني منها إيران بسبب عقوبات واشنطن، بشكل موجع على حجم الدعم المالي، الذي كان يتلقاه حزب الله من إيران.

ووفق تقرير مفصل للصحافي الاستقصائي الفرنسي، جورج مالبرونو في صحيفة لوفيغارو، في مايو(أيار) الجاري، عمدت إيران، بعد أن خنقتها العقوبات الأمريكية، إلى خفض تحويلاتها إلى الميليشيا اللبنانية إلى النصف.

وأشار التقرير إلى تخفيض رواتب عناصر حزب الله، وأكد أن ممولي الحزب ما عادوا يخرجون من لبنان. 

ووردت معلومات مفصلة في التقرير، عن محاولة حزب الله التحايل على العقوبات الأمريكية عبر مكاتب الصيرفة، واعتماد أموال نقدية من مناصريه، ومؤسسات تجارية تدعمه.

وفي مقابلة مع أحد العاملين في قطاع الإعلام التابع لحزب الله، كشف تخفيض الرواتب بمقدار الثلثين. 

ونقل التقرير عن دبلوماسي مطلع قوله "حتى حزب الله، الأكثر استفادة من علاقاته مع إيران، لحقت به تدابير التقشف، لم يعد يتمتع بميزات كما كان من قبل".


وأفاد بأنه قبل ستة أشهر، كانت التحويلات النقدية من طهران إلى مطار بيروت على متن الخطوط الجوية الإيرانية تقدر بما بين 70 و80 مليون دولار شهرياً، وفق تقديرات أمريكية وفرنسية، لكن تلك المدفوعات انخفضت حالياً إلى نحو النصف أو 40 مليون دولار فقط، حسب ما أكد مصدر فرنسي مطلع.

وتطرق التقرير إلى التضييق على المصارف اللبنانية، مؤكداً أن واشنطن شددت القيود المفروضة على البنوك اللبنانية لرفض أي أموال أو زبون له علاقة بحزب الله.

تدابير تقشفية
واتخذ حزب الله، سلسلة إجراءات لمواكبة الاشتداد التدريجي للعقوبات على إيران، كان أولها رواتب المقاتلين.

وبحسب مصادر محلية، وفق قناة العربية، قلص حزب الله للمرة الأولى منذ تأسيسه قبل 36 عاماً، رواتب المقاتلين الاحتياطيين بـ 50%، والتي كانت تبلغ في المعدل 800 دولار أمريكي للمقاتل،

كما بدأت إجراءات التقّشف، وفق المصادر، تطال للمرة الأولى رواتب المقاتلين الأساسيين وتتراوح بين 800 و1200 دولار، خاصةً على جبهات القتال في سوريا، ما يؤشر على عمق الأزمة المالية التي تُضيق الخناق على الحزب.


إلغاء نظام التقاعد
وكان الأقسى في سياسة التقشف، إلغاء نظام التقاعد الذي يشمل المقاتلين القدامى في الحزب. فكل محارب أمضى أكثر من 25 عاماً في صفوف الحزب، كان يحصل على 600 دولار شهرياً تعويضاً عن نهاية الخدمة، خاصةً المقاتلين منهم، إلا أن الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وانطلاقاً من سياسة التقّشف التي تحدث عنها، ألغى نظام التقاعد.

من الضاحية إلى بعلبك
كما طالت الإجراءات نظام المكافآت الموسمية المخصصة لزوجات وأطفال المقاتلين الأساسيين والاحتياطيين، فخُفضت الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها في السابق، مثل النقل داخل لبنان أوالسكن.

وفي السياق، أفادت معلومات، بأن حزب الله طلب من مقاتلين يشغلون قرابة ألف شقة في الضاحية الجنوبية، معقل الحزب، كانت إيران تدفع بدل إيجارها، إخلاءها بعدما التوقف عن الدفع.

وكما في الضاحية الجنوبية، امتد التقشف إلى مدينة بعلبك شرق لبنان، بإغلاق عدد من المؤسسات الاجتماعية التابعة لحزب الله التي كانت تخدم المقاتلين وعائلاتهم. 


إجراءات إدارية
وبالتوازي مع الإجراءات المالية، قرر حزب الله اتخاذ إجراءات تنظيمية جديدة شملت تعيين مسؤولين جدد في مواقع قيادية متعددة، لمواكبة المرحلة الصعبة التي يمرّ بها نتيجة العقوبات.

ووفق معلومات، فإن جزءاً من هذه التغييرات الإدارية جاء نتيجة تحقيقات مع أكثر من مسؤول حزبي بشبهة استغلالهم مناصبهم، ومخالفة مهامهم، بما يتضارب مع توجهات الحزب.

مؤسسات إعلامية 
كما طالت الإجراءات مؤسسات إعلامية تابعة للحزب مباشرة أو يدعمها، مثل قناة القدس الفضائية، المقربة من حركة حماس التي أُقفلت في مطلع فبراير(شباط) الماضي بسبب أزمة مالية.

أما المؤسسات الإعلامية التابعة مباشرة لحزب الله، مثل تلفزيون المنار وإذاعة النور، فإن الأزمة المالية  فرضت عليها في الأشهر الماضية بدورها اقتطاع أكثر من نصف رواتب الذين يعملون فيها.

مصادر بديلة 
وللتعويض عن التمويل الإيراني، لجأ حزب الله إلى البحث عن مصادر بديلة لسد حاجاته وتمرير مرحلة العقوبات بأقل أضرار داخلية ممكنة، وذلك بطلب الدعم من خلال توسيع نشر صناديق التبرعات، التي تحمل اسم "هيئة دعم المقاومة"، وتثبيتها في الشوارع، وعلى أعمدة الكهرباء، في بيروت ومناطق جنوب لبنان، وفق ما أوردت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية.


ووفق بلومبيرغ، فإن هذه الخطوة جاءت بعد العقوبات الأمريكية التي فُرضت على إيران وحزب الله، والتي قلصت موارد الميليشيات التي تعتمد على التمويل الإيراني.

700 مليون دولار
وتعد إيران أكبر داعم مالي وعسكري لميليشيات "حزب الله" في لبنان، إذ قدر مسؤول أمريكي هذه المساعدات بنحو 700 مليون دولار أمريكي سنوياً، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ".

ولكن أن قدرة إيران على الاستمرار بهذا النهج أصبحت تتضاءل، تحت ضغط العقوبات، وآخر حلقاتها قرار واشنطن تصفير صادرات إيران النفطية، وإلغاء أي استثناءات كانت مُنحت لبعض الدول في موضوع مواصلة الاستيراد من إيران.

وأسهمت العقوبات الأمريكية بالفعل في تقليص عائدات إيران من النفط، ما أدى إلى انخفاض قيمة الريال بنسبة 60% على مدار عام، وارتفاع معدلات التضخم إلى 40%، لتقترب البلاد من أعمق موجة ركود منذ 2012، وفق صندوق النقد الدولي.

وكان جزء آخر من تمويلات حزب الله يأتي من الحكومة العراقية بتكليف من إيران سواءً بتجارة النفط المهرب أو من ميزانية الحشد الشعبي، إلا أن مصادر لبنانية أكدت توقف هذه التمويلات بضغط أمريكي، منذ عهد رئيس الحكومة العراقية السابق حيدر العبادي.


ضغوطات سياسية وعسكرية 
ويسود اعتقاد بأن الأزمة المالية لحزب الله تحد من مساحة المناورة لديه، سواء في خياراته السياسية المحلية، أو حتى تلك العسكرية التي لطالما يلوح بها نصرالله ضد إسرائيل أو ضد خصومه في لبنان.

ونقل عن مصادر سياسية في جنوب لبنان، حيث الكتلة الناخبة الأكبر لحزب الله ومنطقة التماس مع إسرائيل، أن حزب الله وإيران لم يعودا قادرين على تمويل البيئة الأهلية في الجنوب في حال اندلاع أي مواجهة بين حزب الله وإسرائيل، على غرار ما حصل في حرب 2006، ناهيك عن أن جمهور الحزب في جنوب لبنان لم يعد داعماً لأي "مغامرة" للحزب، كما قبل 13 عاماً، وفق صحيفة "العرب" اللندنية.

وقالت أوساط سياسية لبنانية، إن الأزمة المالية لحزب الله تضرب جانباً مهماً من قوته ونفوذه لدى الطائفة الشيعية في لبنان، وأن رجال الأعمال الشيعة باتوا حذرين من التورط في أي علاقات مالية مع الحزب، قد تعرضهم للعقوبات الأمريكية.

وفي وقت سابق هذا العام، استنجد أمين عام حزب الله حسن نصرالله بـ"هيئة دعم المقاومة" لمواجهة العقوبات الأمريكية.



هيئة دعم المقاومة
وهيئة دعم المقاومة، هي "الصندوق" الذي يمول نشاطات حزب الله ويدفع ثمن الخدمات المعروضة في لبنان. ويقال إن الحزب يستعمل هذه الهيئة لجمع الأموال لمساندة نشاطاته العسكرية بشكل محدد، وتذيع الهيئة الإعلانات على تلفزيون "المنار" التابع لحزب الله مساندة للصندوق.

كما سعى الحزب إلى زيادة المساهمات والتبرعات، سواء من الأفراد -من خلال ما يُعرف بـ"ضريبة الثورة"، أو من خلال تبرعات شركات تجارية، مثل محطات المحروقات الأمانة، في الجنوب، مع عائدات نقدية للتهرب من الضوابط الأمريكية، دون محاسبة.

وبالإضافة إلى ذلك، "عقد حزب الله اجتماعاً استراتيجياً في الخريف الماضي، قرر بموجبه استثمار المزيد من إمكاناته في أجهزة الدولة لتلبية مطالب مناصريه"، بحسب ما كشف دبلوماسي آخر في بيروت للصحيفة الفرنسية.


فتح باب التبرعات 

وفتح أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، باب التبرعات في خطاب يوم 9 مارس(آذار) الماضي، وقال في كلمة على التلفزيون: "أُعلن اليوم الحاجة إلى المساندة والدعم الشعبي"، مضيفاً أن التبرعات مطلوبة لدعم أنشطة الحزب.

ويقول خبراء في شؤون حزب الله، إن الحزب بات يعتبر الساحة اللبنانية استراتيجية بالنسبة لبقائه ومستقبله، وأنه وعلى الرغم من علاقاته الوجودية مع نظام الولي الفقيه في إيران، إلا أنه بات يشعر أن مصالح طهران في أي اتفاق محتمل مع الأميركيين قد تضيق من هامش اعتماد الحزب على التمويل الإيراني.

يشار إلى أن الإجراءات العقابية الأمريكية، شملت أيضاً التضييق على موارد حزب الله بتجريم من يتعاون معه داخل وخارج لبنان، وملاحقة ما يوصف بشبكات غسيل الأموال والاتجار بالمخدرات التي يتولاها أنصار وأعضاء حزب الله في أمريكا الجنوبية، وأفريقيا، والعديد من مناطق العالم.