رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة تيريزا ماي (أرشيف)
رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة تيريزا ماي (أرشيف)
الأربعاء 29 مايو 2019 / 20:55

أفول المملكة المتحدة

الكلمات الحقيقية التي تصف الوضع البريطاني، هي الارتباك، الفوضى، انعدام رؤية المستقبل، الكوميديا، السوداء بالطبع، الحسرة على دولة كانت عظيمة

أعلنت رئيسة الوزراء تيريزا ماي يوم الجمعة الماضي 24 مايو (آيار) 2019، استقالتها من منصبها في 7 يونيو (حزيران) المقبل 2019. وبهذا يتعين على حزب المحافظين أخيراً أن يجد بديلاً. في خطاب الاستقالة، غلبت العاطفة تيريزا ماي، فأجهشت بالبكاء، وقالت إنه من المؤسف، أنها لم تستطع إكمال مرحلة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

الجدير بالذكر أن السيدة تيريزا ماي وُصفتْ بلا إنسانيتها أمام حريق برج "غرينفيل" في العاصمة لندن 2017 الذي راح ضحيته أكثر من 70 شخصاً، وتهربتْ في البداية من تحمل المسؤولية، وبدت جامدة، باردة، لا تذرف الدمع على الضحايا. قارن كثيرون بين بكاء تيريزا ماي على فقدان منصبها، وبين جمودها أمام كارثة برج "غرينفيل".

آخرون وصفوا بكاء تيريزا ماي بأنه ليس في محله، ويصعُب التعاطف معه، فتبدو السيدة ماي غير مدركة تماماً، لفشلها الذريع في القضية التي تصدتْ لها، وهي تنفيذ الخروج من الاتحاد الأوروبي، باستقامة ونزاهة، كما أقره البريطانيون في نتيجة استفتاء ديمقراطي منذ ثلاث سنوات.

وعلى الرغم من تشدقها الدائم والفارغ، بأنها كانت تسعى لتحقيق رغبة البريطانيين في الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها في الحقيقة كانت تماطل، وتبحث عن حل وسط، ساق في الاتحاد الأوروبي، وساق أخرى في المملكة المتحدة، وليس المقصود هنا التلميح إلى ساقيها الطويلتين المستخدمتين كثيراً في رسوم الكاريكاتير السياسي.

هذا اللون الرمادي الباهت، زاد من حدة الانقسام في المملكة المتحدة طوال السنوات الثلاث. وشارك في لعبة المماطلة والتسويف والتردد، البرلمان البريطاني أيضاً. كانت الكلمة المعتادة لوصف اللعبة السياسية في الصحافة الإنجليزية، وما زالتْ، هي كلمة "الجمود"، حلحلة الجمود، فك الجمود. وهي كلمة أخرى لا تصف بدقة حال السياسة البريطانية في معضلة البريكست. بكاء السيدة ماي ليس له محل في الإعراب، كما أن جمود الحياة السياسية أيضاً، ليس له محل في الإعراب.

الكلمات الحقيقية التي تصف الوضع البريطاني، هي الارتباك، الفوضى، انعدام رؤية المستقبل، الكوميديا، السوداء بالطبع، الحسرة على دولة كانت عظيمة. المفاجأة التي ربما ستكون صادمة للبريطانيين أن البدائل المطروحة لمنصب رئاسة الوزراء، لن تختلف كثيراً في أدائها عن أداء السيدة تيريزا ماي.

كأنّ عجلة التدهور الكبرى التي دارتْ رحاها، بأسوأ قرار اتخذه رئيس وزراء بريطاني على الإطلاق، وهو قرار الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، في عهد رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، كانت ستتوقف مع تيريزا ماي، أو ستتوقف من بعدها، مع بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني الأسبق، أو مع جيرمي هانت وزير الخارجية الحالي، أو مع مايكل غوف وزير البيئة.

البائس في الأمر أن بوريس جونسون أحد عرَّابي البريكست، وأقرب المرشحين خلفاً لتيريزا ماي، تنصَّل، أو تهرَّب من مسؤولية منصب رئيس الوزراء في 2016، فقد كان طبيعياً أن يتولى القيادة بعد نجاحه في دفع بريطانيا إلى هاوية الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن لكونه لا يعرف شيئاً عن تبعات الخروج، وهي تبعات اقتصادية مدمرة، رفض أن يكون في وجه المدفع، وفضَّل أن يكون فقط وزيراً للخارجية، ليوجِّه سهام نقده إلى كبش الفداء، قليلة الذكاء، السيدة تيريزا ماي.

وما يُقال من أن بوريس جونسون لم يكتسب الدعم الكافي داخل حزب المحافظين 2016، للفوز برئاسة الوزراء، لا يستقيم مع المنطق، بل يُقال هذا الآن لغسل حماقة بوريس جونسون، وكأنّ اقترابه من القيادة يُمثِّل شيئاً جديداً، وكأنّ بريطانيا لا تفتقر بشدة إلى شخصيات قيادية تخرجها من محنة البريكست.

أحد أهم الدروس المُستفَادة، للقائد المستقبلي الجديد في المملكة المتحدة، أن عليه رمي سياسة الحل الوسط مع الاتحاد الأوروبي في سلة المهملات، إمّا كل شيء، أو لا شيء. الاتحاد الأوروبي قام بإذلال تيريزا ماي، والتمثيل بها أمام أعضاء الاتحاد، ليظهر مدى قوته، لمن تسول له نفسه من أعضاء الاتحاد، بطلب الخروج مثل بريطانيا. الآن الاتحاد الأوروبي يتحسس مسدسه، فقد تُغامر القيادة الجديدة في 10 داونينغ ستريت، بالراديكالية، أي الخروج دون اتفاق أو صفقة.

العرَّاب الآخر لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو نايجل فراج، الذي أحدث فزعاً لوكالة مكافحة الاحتيال التابعة للاتحاد الأوروبي، وتحسباً من فوز حزبه المُناهض للاتحاد الأوروبي، والداعم لخروج بريطانيا، وتفكيك العولمة، يُتهم في قضية فساد، وتحقيق رسمي، يدَّعي بأن السياسي البريطاني نايجل فراج، تلقى 450.000 جنيهاً إسترلينياً، من رجل أعمال، والتحقيق قد يأخذ شكلاً أكثر فاعلية، بعد النجاح الذي حققه حزب نايجل فرج في انتخابات البرلمان الأوروبي، بينما مُنِيَ حزب المحافظين الحاكم بهزيمة في عدد الأصوات لم تحدث له منذ نشأته في عام 1834.