رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان (أرشيف)
الأحد 2 يونيو 2019 / 21:22

نتانياهو وليبرمان، علاقة محبة وكراهية..!

سيذكر التاريخ السياسي للدولة الإسرائيلية أن شخصاً بعينه تسبب في جر الإسرائيليين مرتين إلى انتخابات مُبكّرة في النصف الأول من 2019، وأنه سدد ضربة قوية لطموحات بنيامين نتانياهو، وربما مستقبله السياسي أيضاً، عندما تسبب في عدم تمكينه من تشكيل الحكومة بعد انتخابات الكنيست الأخيرة.

نتانياهو وليبرمان يتبادلان الاتهامات. الأوّل يتهم الثاني بتخريب الحقل السياسي، وإفشال تشكيل الحكومة، والثاني يتهم الأوّل بمحاولة تكريس "عبادة الشخصية" في السياسة الإسرائيلية

هذا الشخص هو أفيغدور ليبرمان، الذي يتكلم العبرية بلكنة روسية ثقيلة، والذي اشتغل في مطلع شبابه حارساً في ناد ليلي، وانتقل للعيش في مستوطنة قرب بيت لحم في الضفة الغربية، بعد وصوله إلى البلاد بسنوات قليلة. بيد أن السمة الأهم في تاريخ ليبرمان أنه مدين بصعوده في الحقل السياسي الإسرائيلي لنتانياهو نفسه، الذي تبناه ورفعه من مهاجر جديد، وناشط يميني قليل الشأن في أواخر الثمانينيات، إلى الصف الأول في قيادة حزب الليكود.

يصغر ليبرمان نتانياهو بتسع سنوات. وهاجر من مولدافيا موطنه الأصلي إلى إسرائيل في أواخر سبعينيات القرن الماضي، ضمن موجة الهجرة اليهودية من جمهوريات الاتحاد السوفياتي، وانفتحت أمامه فرصة الدخول إلى معترك السياسة من أوسع أبوابها مع فوز نتانياهو بزعامة حزب الليكود، في أوائل التسعينيات، الذي عينه مديراً لمركز الحزب في تل أبيب.

كان الليكود في ذلك الوقت حركة سياسية ذات نفوذ في أوساط اليهود الشرقيين، الذين أرادوا الانتقام من العماليين، على نحو خاص، ولكنه لم يكن ماكينة حزبية تصلح لحصد الأصوات، والفوز في الانتخابات، ومنافسة العماليين على قيادة البلاد، كما قدر نتانياهو العائد من الولايات المتحدة في ذلك الوقت.

ويُقال إن المصاعد في بناية الحزب في تل أبيب كانت عاطلة عن العمل، لأنهم لا يملكون ما يكفي من المال لإصلاحها، وأن سداد فواتير الماء والكهرباء، كان مشكلة ينبغي تذليلها في أواخر كل شهر، عندما تسلم ليبرمان مهام منصبه مديراً لمركز الحزب في 1993.

ويبدو أن مهاراته التنظيمية والإدارية، معطوفة على كفاءة نتانياهو في الحصول على دعم مالي من كبار الممولين اليهود في الولايات المتحدة، أثمرت تمكين الليكود من التغلغل في مختلف الأوساط الاجتماعية في إسرائيل، وفي وسائل الإعلام، علاوةً على توليد وتدريب جيل جديد من النشطاء الحزبيين، وبلورة استراتيجيات انتخابية جديدة تحاكي تجربة الديمقراطيين والجمهوريين، ولعبة السياسة الأمريكية، التي تأثر بها نتانياهو، وحاول إعادة إنتاجها في الحقل السياسي الإسرائيلي.

وفي 1996، عندما فاز نتانياهو برئاسة الحكومة، كوفئ ليبرمان بمنصب مدير عام مكتب رئيس الوزراء، ومن يومها صعد نجمه في السياسة الإسرائيلية على مدار العقدين اللاحقين، فدخل البرلمان، وتولى مناصب وزارية مختلفة منها الخارجية والدفاع. وعُرف عنه، ولا يزال، إطلاق تصريحات متطرفة من نوع الدعوة في سنوات مضت إلى قصف سد أسوان في مصر لإغراقها بالماء، واتهام أعضاء الكنيست العرب بالتعاون مع "الإرهابيين"، ورفض التسوية السياسية مع الفلسطينيين، ناهيك عن الدعوة لإعادة احتلال قطاع غزة.

ورغم حقيقة القناعات الأيديولوجية المشتركة بين نتانياهو وليبرمان، والتشدد في المواقف السياسية، إلا أن ليبرمان لم يكتف بدور التابع، والتلميذ النجيب، بل تمرد على نتانياهو في أواخر التسعينيات، في ما عُرف في حينها بتمرد "أمراء الليكود"، وهو لم يكن منهم، فأنشأ حزبه الخاص "إسرائيل بيتنا"، الذي شكل منبراً سياسياً وتنظيمياً لليهود المهاجرين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة.

ومع ذلك، ظل ليبرمان حريصاً على البقاء في معسكر اليمين، والمشاركة في حكوماته، ودعم نتانياهو، بعد مفاوضات شاقة، وتحويل التهديد بالاستقالة إلى ورقة سياسية يمكن اللعب بها من وقت إلى آخر.

وربما في أمر كهذا ما سوّغ لبعض مراقبي المشهد السياسي في إسرائيل القول، إن العلاقة بين الاثنين تتسم بمزيج من المحبة والكراهية.

وفي سياق سلسلة طويلة، لا يتسع المجال لذكرها، جاءت آخر تجليات اللعب بورقة الاستقالة عندما استقال ليبرمان من منصبه وزيراً للدفاع احتجاجاً على سياسة نتانياهو إزاء حماس في غزة، وبذلك أرغم نتانياهو على الدعوة لانتخابات مبكرة.

وتكررت اللعبة، قبل أيام، عندما اشترط للمشاركة في حكومة نتانياهو الجديدة فرض التجنيد على اليهود المتدينين، ما أدى إلى الفشل في الحصول على أغلبية، وحل البرلمان، والدعوة إلى انتخابات جديدة في سبتمبر( أيلول) المُقبل.

يُرجح البعض تشدد ليبرمان في موضوع فرض الخدمة الإلزامية على اليهود المتدينين بمحاولة الانتقال بحزبه "إسرائيل بيتنا" من حزب لليهود المهاجرين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، إلى منبر سياسي وتنظيمي لجمهور العلمانيين، الذي يمثل شريحة واسعة في المجتمع الإسرائيلي تفوق المتدينين عدداً، خاصةً بعد حصوله في الانتخابات الأخيرة على خمسة مقاعد مقارنةً مع 15 مقعداً قبل عشرة أعوام. بمعنى آخر، تشدد ليبرمان في مفاوضات تشكيل الحكومة في محاولة لتجديد وتوسيع قاعدته الانتخابية.

ومهما تكن الأسباب. الثابت الآن أن نتانياهو وليبرمان يتبادلان الاتهامات. الأول يتهم الثاني بتخريب الحقل السياسي، وإفشال تشكيل الحكومة، والثاني يتهم الأول بمحاولة تكريس "عبادة الشخصية" في السياسة الإسرائيلية.

والثابت، أيضاً، أن نتانياهو نال لطمة قوية من حيث لا يشاء، ففي انتظاره الحشد لانتخابات جديدة، في سبتمبر(أيلول)، المقبل، والمثول أمام المحكمة بتهم الرشوة والفساد في أكتوبر (تشرين لأول) المقبل، واحتمال مجابهة المشكلة نفسها، أي عقبة ليبرمان، حتى في حال الفوز في الانتخابات.

والثابت في كل الأحوال أن أحداً لن يتمكن من كتابة سيرة نتانياهو دون التوقف أمام علاقة اتسمت بالمحبة والكراهية، وبمقدار ما منحته من أوراق القوة، تتجلى اليوم كعامل تهديد لمستقبله السياسي.