أمريكا وإيران (أرشيف)
أمريكا وإيران (أرشيف)
الأحد 16 يونيو 2019 / 14:38

بعد الهجوم على الناقلتين.. حرب أو لا حرب

24 - إعداد: شيماء بهلول

استمرت أصداء حادثة تفجير ناقلتي نفط في خليج عمان الخميس الماضي، في الهيمنة على التوتر السياسي الناشب بين الولايات المتحدة وإيران.

فبعد رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أول أمس الجمعة، لتصريحات طهران التي تصر فيها على نفي صلتها بالهجوم، كرر اتهامات بلاده مجدداً لها بالمسؤؤلية عنه، قائلاً إن "إيران قامت بالتفجير".

وتأتي الانفجارات بعد شهر من تدمير 4 ناقلات وسفن شحن في هجوم قبالة سواحل الإمارات العربية المتحدة، والتي اتهمت فيها الولايات المتحدة إيران بالمسؤولية عنها، في حين نفت الأخيرة ذلك.



رد أمريكي
أشار ترامب إلى مقاطع الفيديو التي تقول واشنطن إنها تظهر القوات الإيرانية على متن قارب صغير تزيل لغماً لم ينفجر من على جسم إحدى السفن.

وقال في تصريح لمحطة فوكس نيوز التلفزيونية إن "إيران قامت بالتفجير، أعتقد أن أحد الألغام لم ينفجر وربما يكون قد احتوى على اسم إيران مكتوباً عليه"، وأضاف "لقد رأيتم القارب في الليل وهو يحاول إزالة اللغم، وقد نجح بالفعل في إزالته من على جسم الناقلة، وقد شاهدتم ذلك بوضوح".

وذكر الرئيس الأمريكي أنه "من غير المحتمل أن تغلق إيران مضيق هرمز، الممر الملاحي الحيوي الذي يمر عبره ثلث النفط العالمي المنقول بحراً كل عام، ولكن إذا حدث ذلك، فلن يظل مغلقاً لفترة طويلة".

وتأتي تصريحاته، بعد أن أوضح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن الأسلحة المستخدمة ومستوى الخبرة اللازمة لتنفيذ الهجمات، فضلاً عن الهجمات الإيرانية المماثلة الأخيرة على الناقلات، أظهرت أن إيران كانت وراء ذلك.

وبدوره، قال القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي، باتريك شاناهان، إن "الولايات المتحدة ستتبادل المعلومات الاستخباراتية في محاولة بناء إجماع دولي بشأن هذه المشكلة الدولية".





أدلة مقنعة
ونشر الجيش الأمريكي مقطع فيديو يقول إنه يُظهر الحرس الثوري الإيراني يُزيل لغماً غير منفجر من جانب إحدى ناقلتي النفط اللتين تعرضتا إلى هجوم الخميس الماضي، فضلاً عن صور فوتغرافية تُظهر ما يبدو لغماً بحرياً قبل إزالته.

وتبدو حتى الآن اللقطات التي نشرتها الولايات المتحدة، أكثر إقناعاً من الأدلة غير المباشرة المبنية على استناتاجات التي قدمتها في وقت سابق، ويشبه زورق الدورية الأبيض الصغير في الفيديو إلى حد كبير نموذج الزوارق البحرية المستخدمة من قبل الحرس الثوري الإيراني في الخليج.

وتمكنت قوات الحرس الثوري الإيراني في السنوات الأخيرة، من بناء أسطول هائل من زوراق بحرية هجومية صغيرة وعالية السرعة يصعب اكتشافها ومسلحة بألغام وصواريخ وطوربيدات وطائرات مسيرة، وكان بعض زوارقها اقتربت من السفن الحربية التابعة للبحرية الأمريكية في الخليج في السنوات الأخيرة، ولا يزال خطر وقوع صدام بينهما في البحر وارداً.

يشار إلى أن الناقلة "فرونت ألتاير" كانت تحمل شحنة من وقود "النافتا" (أحد المشتقات النفطية) من الإمارات العربية المتحدة إلى تايوان، بينما كانت الناقلة كوكوكا كوريجس تحمل الميثانول من المملكة العربية السعودية إلى سنغافورة.

ووفقاً لشركة مراقبة الأقمار الصناعية العالمية "أي سي آي"، فقد تسببت الأضرار التي لحقت بمقدمة الناقلة "فرونت ألتاير" إلى تسرب النفط في المياه حولها.



تعنت إيراني
ونفت إيران أي تورط لها في هجمات يوم الخميس الماضي، قائلة إن "هدف مُنفذها هو عرقلة علاقات إيران مع المجتمع الدولي، ولابد أن تكون ثمة شكوك في طهران بشأن صحة هذا الفيديو".

ومن جهته، اتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني الولايات المتحدة أول أمس الجمعة بأنها تشكل "تهديداً خطيراً للاستقرار في الشرق الأوسط"، من دون الإشارة مباشرة إلى الهجمات في خليج عمان.

ورد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بالقول إن المزاعم الأمريكية بشأن مسؤولية إيران عن الهجمات على ناقلتي نفط في خليج عُمان تأتي في سياق "دبلوماسية التخريب"، وقالت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة في بيان أول أمس "ترفض إيران بشكل قاطع الزعم الذي لا أساس له بشأن حادثتي ناقلتي النفط، وتشجبه بشدة".



تحقيق شامل
ودعا الاتحاد الأوربي إلى أعلى درجات ضبط النفس، وسط التوتر السائد بشأن اتهام الولايات المتحدة لإيران بالهجوم على الناقلتين.

وقال المتحدث باسم الاتحاد: "نحن بصدد جمع المعلومات من أجل تقييم الوضع، وسبق أن قلنا مراراً إن المنطقة ليست في حاجة إلى المزيد من التصعيد ولا إلى المزيد من التوتر، ولذلك فإننا ندعو إلى أعلى درجات ضبط النفس".

وندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأشد العبارات بالهجمات التي استهدفت ناقلتي نفط في خليج عمان، محذراً من أن العالم لن يستطيع تحمل مواجهة كبرى في منطقة الخليج.
وقال إنه "يجب العمل على إظهار الحقيقة بوضوح"، داعياً إلى إجراء تحقيق مستقل في الحادث.

ودعت روسيا إلى ضبط النفس محذرة من التسرع في إصدار الأحكام والاستنتاجات، وقالت في بيان: "ندين بشدة هذه الهجمات بغض النظر عن المسؤول عنها، لكن من الضروري الامتناع عن استخلاص نتائج متسرعة".





اتهامات بريطانية
ومن جهته، ألقى وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، باللوم على إيران في الهجمات وقال: إن "بريطانيا تقبل اتهامات الولايات المتحدة، ولكنها ستحقق في الأمر بطريقة مستقلة، ليس هناك ما يجعلنا لا نصدق التقييم الأمريكي، فنحن نصدقهم لأنهم أوثق حلفائنا، ونحن قلقون من موقف إيران".

وكما حذر طهران من أنه إذا ثبت ضلوعها في الهجوم على الناقلتين، فإن ذلك سيكون تصعيداً تنعدم فيه الحكمة، ويشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل السلم والاستقرار في المنطقة".

وبدورها، استدعت الخارجية الإيرانية أمس السبت السفير البريطاني لديها روب ماكاير، لتسليمه "عدة إيضاحات" من الجانب الإيراني، وفقاً لوكالة "إيرنا" الإيرانية الرسمية للأنباء.

وقال مساعد الوزير ومدير عام شؤون أوروبا في الخارجية الإيرانية محمود بريماني إن تصريح وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت "المناهض لإيران" بشأن الهجمات على ناقلتين نفطيتين في خليج عمان "غير مقبول".



حرب أم لا حرب
وشدد وزير الدفاع الأمريكي السابق، آشتون كارتر، على ضرورة التدخل العسكري ضد إيران لمعاقبتها في حال ثبت اضطلاعها في الهجوم على ناقلتي نفط في خليج عُمان.

وقال أول أمس في مقابلة مع مجلة "أتلانتيك" الأمريكية، إنه يؤيد نظرية وزير الخارجية الحالي مايك بومبيو بأن عملاء إيران هم الذين قاموا بالهجوم، ما يعني أنها مسؤولة عن الحادث، وأضاف "أعتقد أنه ليس هناك أي شك في اتهامات بومبيو، الإيرانيون فعلوها لأنهم بدؤوا يشعرون بضغط العقوبات"، مشيراً إلى أنه "إذا ما ثبت أن الهجوم قامت به مجموعات حليفة لإيران، فعلينا اعتبار إيران هي المسؤولة".

وأوضح أن "بومبيو تحدث عن الرد السياسي والاقتصادي وليس العسكري على إيران، لكن في الحقيقة، أنا أفضل أن يكون الرد العسكري ضمن الخيارات المطروحة".

وبدوره، ذكر الكاتب السعودي سلمان الدوسري، في مقال له بصحيفة الشرق الأوسط، أن لا أحد يريد حرباً في المنطقة والعالم سوى إيران، مشيراً إلى أن النظام اعتاد منذ إنشائه على الوقوف في منطقة ما بين الحرب واللاحرب.



وقال "لا يستطيع النظام الإيراني في ظل تعدد القوى داخله أن يستسلم للعقوبات الاقتصادية الخانقة التي يتعرض لها، والتي تحجم من استمراره في نهج سياساته وتدخلاته نفسها التي يتنفس عبرها ولا يستطيع الحياة من دونها".

وأضاف أن "هناك أطرافاً داخل النظام الإيراني، وعلى رأسها الحرس الثوري، تدفع باتجاه رفع مستويات التوتر بالمنطقة حتى ولو كان ثمنها تصعيداً خطيراً باتجاه الحرب، حيث ترى تلك الأطراف أنها الحل الوحيد للتخلص من الضغط الشعبي الداخلي".

ولفت الكاتب إلى أن الأجواء التي تعيشها المنطقة في خضم التوترات الخطيرة، هي بلا شك أجواء حرب، مشيراً إلى أن الوصول إلى الحرب نفسها فتعتمد على استمرار النظام الإيراني في سلوكياته العدوانية واستغباء العالم.

وتابع "ليس شرطاً أن تكون حرباً كاملة، إنما هو حل عسكري بصورة أو أخرى يوقف السلوكيات الإيرانية العدوانية، ربما نهاية غير سعيدة لكنها بكل تأكيد أفضل من الانتظار في خانة اللاحرب لسنين طويلة أخرى".



تعزيزات بريطانية
وذكرت صحيفة "تليغراف" اليوم الأحد، أن البحرية الملكية تخطط لنشر قوات مشاة البحرية في الخليج في الوقت الذي تلوم فيه إيران على هجمات ناقلات النفط، وأشارت إلى أن البحرية الملكية تقوم بوضع خطط لنشر 100 من قوات مشاة البحرية في الخليج لحماية السفن البريطانية بعد سلسلة من الهجمات الإيرانية المزعومة على ناقلات النفط في المنطقة.

ووفقاً للصحيفة، من المتوقع أن تجتمع لجنة أمن كوبرا الحكومية في وايتهول هذا الأسبوع، لمناقشة خطط إرسال قوات بريطانية إلى الشرق الأوسط في أعقاب الوضع المتصاعد، وستغادر قوات المارينز من 42 كوماندوز، المتمركزة بالقرب من بورتسموث في هامبشاير، وستعمل من قاعدة بحرية بريطانية في البحرين افتتحت العام الماضي بقيمة 40 مليون جنيه إسترليني.

يذكر أنه تم وضع الخطط أولاً قبل أسابيع وسط تصاعد التوتر مع إيران، إلا أنه لم يتم الإعلان عن مهمة وزارة الدفاع رسمياً.



ومن جهتها، نشرت صحيفة "آي" الصادرة عن دار الإندبندنت مقالاً تحليلاً للكاتب جون كيمب تحت عنوان "الصراع قد ينتشر في عموم المنطقة"، الذي يرى فيه أن حادثة خليج عمان قد تسهم في إشعال فتيل النزاع والحرب في المنطقة بأكملها.

وقال الكاتب إنه "على الرغم من التهديدات التي كانت وما زالت تتوعد بها إيران الولايات المتحدة، فإنها إذا أرادت إغلاق مضيق هرمز فلن يستمر هذا الإغلاق أكثر من أيام قليلة، فهو بنظر الكاتب، سيدفع واشنطن إلى التدخل العسكري لفتح الممر المائي المهم".

وأضاف أنه "حتى لو قامت الولايات المتحدة بحراسة ومرافقة كل السفن والناقلات التي تمر من المضيق، فإن إيران لن تكون قادرة على عرقلة هذه السفن أو التعرض لها، لأنها تحاول أصلاً تفادي المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة وجهاً لوجه".

وأوضح أن المشكلة لن تنتهي هنا، إذ أن أي مواجهة عسكرية قد تجبر إيران إلى نقل مواجهتها مع الولايات المتحدة إلى ساحات أخرى عن طريق حلفائها، مشيراً إلى أن مضيق هرمز سيظل منطقة عالية التوتر قد تشعل فتيل حرب تؤكد كل من الولايات المتحدة وإيران على الرغبة في تفاديها.



استراتيجية أمريكية محدودة
وذكر تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، أن من بين العوامل الثابتة في السياسة الخارجية "الطيبة" للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انتقاده العنيف لإيران ووصفه للاتفاق النووي بأنه ضعيف.
وأشار التقرير إلى أن التهديدات والعقوبات والكثير منها كانت بمثابة رد فعل له، حيث تم تخميره مؤخراً بعروض غامضة للمفاوضات المستقبلية.

ولفت التقرير إلى أن رد فعل ترامب على الهجمات الأخيرة في خليج عمان يناسب هذا النمط، لكنه يكشف أيضاً عن حدود استراتيجية إدارته المتمثلة في الضغط على الاقتصاد الإيراني المعتمد على النفط حتى لو كان ذلك يعني معاقبة حلفاء الولايات المتحدة في هذه العملية.

وحسب الصحيفة، فإن كل خطوة قام بها ترامب من التخلي عن الاتفاق النووي الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما، وزيادة العقوبات، وتصنيف الحرس الثوري الإسلامي الإيراني بأنه منظمة إرهابية أجنبية، دفعت الولايات المتحدة إلى الاقتراب من صراع محتمل مع النظام الإيراني.

ويواجه الرئيس الأمريكي الذي يصر على أنه يريد تجنب حروب في الشرق الأوسط، قراراً صعباً: إما التراجع للحد من التوترات أو المضي قدماً من جانب واحد والمخاطرة بالمواجهة.

وقال منتقدون للإدارة الأمريكية إن "البيت الأبيض يحاول استفزاز إيران لكسر الصفقة النووية لعام 2015 التي يكرهها ترامب، لأن الصفقة لم تنهر عندما سحب ترامب الولايات المتحدة منها العام الماضي"، مضيفين أن "حملة الضغط الأقصى لم تجبر إيران على تغيير سلوكها أو الحضور إلى طاولة المفاوضات الجديدة، هذا الأمر قد أقام مسابقة مع إيران تجعل التراجع أكثر صعوبة للنظام".

ولم يعلن البيت الأبيض عن كيفية الرد على هجمات الناقلة، حيث ألمح المسؤولون إلى احتمالية إرسال سفن أمريكية إضافية أو أصول عسكرية أخرى في المنطقة، بالإضافة إلى مرافقة عسكرية محتملة للسفن التجارية التي تمر عبر المضيق الحيوي قبالة ساحل إيران.



وقال كبير المحللين الإيرانيين في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات لصحيفة "واشنطن بوست" علي فايز: إن "التهديد لا يزال قائماً جزئياً، بسبب نهج الإدارة الأمريكية تجاه إيران"، وأضاف أن "هذه محطة طريق لنشوب صراع أوسع بين إيران والولايات المتحدة، إذا كانت إيران وراء الهجمات على الناقلات، فمن الواضح جداً أن سياسة الضغط القصوى التي تتبعها إدارة ترامب تجعل إيران أكثر عدوانية وليس أقل".

ويتوقع المتخصص في شؤون إيران في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، كريم صادجبور، أن إيران ستواصل مقاومتها وتصعيدها بعناية واختبار عزم ترامب، وقال إن "إيران في مأزق أكبر بكثير من ترامب، لأن العقوبات تخنق مصدرها الرئيسي للإيرادات - صادرات النفط".

وقد تصاعدت حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بشكل ملحوظ منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه عام 2017، إذ انسحب من الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمته إدارة أوباما وشدد العقوبات على إيران بشكل كبير.

وعززت الولايات المتحدة قواتها في الخليج في الأشهر الأخيرة، قائلة إن هناك خطرأً من احتمالية وقوع هجمات إيرانية، وعلى ضوء ذلك أُرسلت حاملة طائرات وقاذفات بي 52 إلى المنطقة.

ويظل من غير الواضح لماذا تقوم إيران بهجوم منخفض المستوى نسبياً على الناقلات متعددة الجنسيات، بيد أن مراقبين تكهنوا بأنها تريد إرسال رسالة إلى القوات التي تقف ضدها بأنها قادرة على تعطيل النقل البحري هناك من دون إشعال حرب.