مرشح حزب الرئيس التركي يلدريم ومرشح حزب المعارضة إمام أوغلو (أرشيف)
مرشح حزب الرئيس التركي يلدريم ومرشح حزب المعارضة إمام أوغلو (أرشيف)
الإثنين 17 يونيو 2019 / 13:44

إمام أوغلو.. كابوس أردوغان في 23 يونيو

24 - إعداد: شيماء بهلول

تواجه أمس الأحد ولأول مرة، مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم لرئاسة بلدية إسطنبول ورئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم، مع خصمه مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو، في مناظرة تلفزيونية تاريخية هي الأولى من نوعها منذ وصول حزب الرئيس رجب طيب أردوغان إلى السلطة عام 2002.

فطوال 17 عاماً، غابت المناظرات بين المرشحين للاستحقاقات الانتخابية في تركيا، وعادت اليوم في أهم استحقاق انتخابي تشهده البلاد، وهو انتخابات الإعادة لرئاسة بلدية إسطنبول.

وركزت المناظرة على المشاكل التي تعانيها إسطنبول، وكيفية تعاطي المرشحَيْن معها، إضافة لقضايا الشباب والمرأة والمعاقين وقطاعات النقل والصحة ومشاريعِ المرشحين للناخبين، وبدا واضحاً سعي المتنافسيْن إلى استمالة الفئة المترددة، والفئة التي عزفت عن التصويت في الانتخابات الفائتة.

وانطلقت وقائع المناظرة التلفزيونية بين المرشحين، قبل إعادة الانتخابات يوم الأحد المقبل، بحضور 175 صحفياً، وجرت المناظرة في مركز "لطفي قيردار" للمؤتمرات والمعارض بإسطنبول، وسط إجراءات أمنية واسعة، وتم بثها على الهواء مباشرة بشكل مشترك عبر العديد من القنوات المحلية.

وأدار المناظرة الصحافي، إسماعيل كوتشوك كايا، الذي طرح عدة أسئلة على المرشحين الاثنين؛ لمعرفة تصوراتهم بشأن عدد من القضايا لتي تهم ناخبي إسطنبول.



تفوق المعارضة
في بداية المناظرة تبادل المرشحان الهدايا بمناسبة "عيد الأب" العالمي، وأكدا على أهمية إجراء الانتخابات في أجواء ديمقراطية، واستطاع أكرم إمام أوغلو من هزيمة بن علي، حيث فند مزاعمه حول رفض حزب المعارضة إعادة فرز الأصوات، قائلاً: "طلبنا إعادة فرز الأصوات، وبالتالي فإن القول بأن حزبنا لم يرغب في أمر كهذا تأويل خاطئ".

وأضاف مرشح المعارضة التركية "خرج بيان باسم رئاسة حزب العدالة والتنمية، زعم فوزهم بالانتخابات بفارق 3870 صوتاً بعد فرز 3086 صندوقاً، وكنا نحن قبل هذا البيان بساعتين تقريباً قد أعلنا فوزنا الذي أكده رئيس اللجنة العليا للانتخابات، وفزنا بفارق 2457 صوتاً وفق المضبطة، وهذه أمور يجب على حزب العدالة والتنمية ألا ينساها".

وطرح إمام أوغلو سؤالاً كاشفاً عن كواليس يوم الفرز قائلاً: "لماذا قطعت الأناضول تدفق النتائج ليلة الانتخابات واستمر ذلك لنحو 12 ساعة؟".



واعتبر أن الانتخابات المعادة كفاح من أجل الديمقراطية وليست مجرد انتخابات محلية، وقال "أرفض عبارة سرقة أصوات الناخبين، هل هذه العبارة موجهة إلى مندوبي أحزاب العدالة والتنمية وإيي والحركة القومية والشعب الجمهوري ورؤوساء صناديق الاقتراع؟"، وأضاف "لو لم نسجل محاضرنا بشكل جيد ونقلناها إلى مقرنا ولم يقدم عشرات آلاف الأشخاص هذا النضال، لكان الأمر انتهى ضدنا في تلك الليلة".

وأعرب عن أمله في أن تشهد الحياة السياسية بالبلاد مناظرات كتلك التي جرت بينه وبين منافسه، مضيفاً: "آمل أن تصبح مثل هذه المناظرات عادة مألوفة في السياسة التركية؛ لتناول كل ما يهم المواطنين من مشكلات".

وتابع "هذه بداية مهمة للغاية من أجل الديمقراطية التركية، فعدم إجراء مثل هذه المناظرات على مدار 17 عاماً، أضر بتركيا وبأمتنا، أتمنى أن تكون هذه مجرد بداية، تتحول فيما بعد إلى عادة نألفها جميعاً من أجل تقدم هذا الوطن".



وشدد على أن "المعارضة التركية تخوض حالياً في إسطنبول معركة من أجل الديمقراطية، فجولة الإعادة المقبلة معركة ديمقراطية ضد من اغتصبوا حقنا؛ ومن ثم أطلب الدعم من كل سكان إسطنبول يوم 23 يونيو".

ورداً على سؤال حول كيفية التعامل مع الأتراك من أصول كردية، قال "أنا مرشح لجميع الأتراك، ولست مرشحاً لتحالف الأمة، وحينما أفوز بالمنصب لن أكون رئيساً لحزبي التحالف بل لكل سكان إسطنبول، فنحن جئنا ليعم السلام، ولنشر المساواة بين الجميع أيا كانت أيديولوجياتهم وأعراقهم، فالسلام والحرية يبدآن من الحي الذي نسكن فيه".

وتابع "نحن عازمون على إنهاء الحزبية من هذا البلد، وأتعهد بخدمة الجميع سواء من لهم انتماءات حزبية كالعدالة والتنمية، والحركة القومية، والسعادة، والشعوب الديمقراطي، أو من ليست لهم انتماءات حزبية".

وفي ملف اللاجئين السوريين، قال إمام أوغلو "تركيا تُركت وحدها في مواجهة أعباء اللاجئين، وأفاد بأن تركيا لم تستطع إدارة الملف بشكل جيد، وأشار إلى عزمه تشكيل طاولة خاصة لشؤون السوريين في بلدية إسطنبول، في حال فوزه بانتخابات الإعادة، مشدداً على أنه ضد قرارات منع السوريين من الدخول إلى بعض الشواطئ.



ثقة عمياء
وبدوره، قال بن علي يلدريم خلال المناظرة، إن المعارضة لم تساهم في تجنب إعادة عملية الاقتراع على المنصب، التي شهدت العديد من التجاوزات، وأوضح أن المعارضة رفضت المساعدة للتحقق من سلامة عملية الاقتراع الذي جرى يوم 31 مارس(آذار) الماضي، مشيراً إلى أن ذلك دفع العدالة والتنمية إلى الطعن في النتائج والمطالبة بالإعادة.

وأضاف "إذا كانت الأصوات التي حصلتُ عليها سجلت لصالح مرشح حزب الشعب الجمهوري، أو مرشح آخر؛ فإن ذلك يعد سرقة، وليس هناك تفسير آخر لذلك"، وتابع "لو لم يرفض حزب الشعب الجمهوري إعادة فرز كامل أصوات إسطنبول، لما كانت هنالك حاجة لإعادة الانتخابات".



وأشار يلدريم إلى فوز حزبه الحاكم (العدالة والتنمية) بانتخابات بلدية إسطنبول الكبرى قائلاً "حصلنا على رئاسة بلدية 25 قضاءً من أصل 39 بالولاية وهذا يشكل 65% من سكان المدينة"، وأكد أن "الانتخابات عملية قانونية وديمقراطية، كما أن الطعن على عملية الفرز والنتائج أيضاً أمر قانوني وديمقراطي".

وأما عن ملف اللاجئين السوريين في إسطنبول، قال "سنرحّل كل سوري يخل بالنظام العام في إسطنبول"، وذكّر بإنجازاته كوزير للنقل ورئيس الوزراء، متحدثاً عن مشاريع نقل رئيسية في إسطنبول مثل نفق مرمراي للسكك الحديدية الذي يربط بين جانبي مضيق البوسفور.

ومن جهته، قلل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أهمية الانتخابات بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية، مشيراً إلى سيطرة الحزب على 25 من أصل 39 بلدية في منطقة إسطنبول.، وقال إن "الانتخابات بعد أسبوع مخصصة فقط لرئيس بلدية"، واصفاً إياها بأنها "مجرد تغيير في واجهة المتجر"، ومنتقداً الاهتمام الكبير لوسائل الإعلام الأجنبية بهذه الانتخابات.


مصدر ثروة
ومنذ تولي أردوغان رئاسة بلدية المدينة عام 1994، والمدينة تحت سيطرة الإسلاميين المحافظين وفقدان السيطرة عليها له مغزى كبير لما لها من مكانة اقتصادية وسياسية ورمزية تاريخية لديه ولدى أنصاره.

فمن الناحية الاقتصادية، تمثل إسطنبول قلب تركيا ومحركها الاقتصادي إذ تنتج 31.2% من إجمالي الناتج القومي التركي الذي يعادل 851 مليار دولار حسب بيانات مركز الإحصاءات التركي لعام 2017، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 16 مليون شخص.

وأما العاصمة أنقرة فلا تنتج سوى 9% من الناتج القومي، ومعدل دخل الفرد في إسطنبول هو الأعلى على مستوى البلاد ويبلغ أكثر من 65 ألف ليرة تركية، بينما لا يتجاوز ذلك 14 ألفاً في المنطقة الكردية في جنوب شرقي البلاد.

وكما تمثل إسطنبول قلب الصناعة في تركيا إذ تنتج 29% من إجمالي الإنتاج الصناعي في البلاد، وبلغت موزانة بلدية المدينة نحو 10 مليارات دولار عام 2018، وهذا المبلغ يتجاوز موزانة وزارة الدفاع التركية السنوية.

وخلال سيطرة حزب العدالة على المدينة، تم منح عقود مشاريع كبيرة لشركات ورجال أعمال مقربين من الحكومة وبالتالي جرى تشغيل عشرات الآلاف من أنصار الحزب في هذه الشركات، بينما اتهمت صحف المعارضة الحزب بتلقي رشى لقاء منح هذه العقود.

وتقول أوساط المعارضة إن "المدينة كانت دائماً تمثل مصدر كسب ودخل لحزب أردوغان منذ سيطرته عليها، ويذهب جزء من موزانتها لشركات يملكها موالون له بينما تذهب المشاريع العملاقة والكبيرة فيها للمقربين منه".



رفض للهزيمة
ولم يتقبل أردوغان فكرة خسارة المدينة التي شهدت ولادته وبداية مسيرته السياسية عندما فاز برئاسة بلديتها عام 1994، ووقوعها في يد خصومه المعارضة، حيث قال قبل سنوات عديدة، إن "من يسيطر على مدينة إسطنبول سيحكم تركيا".

فمنذ بداية ظهور بوادر فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية المدينة، أثار الرئيس التركي الشكوك بنزاهة النتائج وتحدثت أوساطه عن مخالفات وتلاعب في التصويت.

وقال في 8 أبريل(نيسان) الماضي إن "الانتخابات شابتها مخالفات على نطاق واسع ارتكبت بشكل منظم"، مضيفاً أن "الأمر لا يتعلق بمخالفات هنا وهناك لأن العملية برمتها كانت غشاً".



ودعا إلى إعادة فرز الأصوات وقد استجابت لجنة الانتخابات لطلبه، وبعد الانتهاء من إعادة الفرز في جميع صناديق الاقتراع لم تتغير النتيجة لصالح حليف أردوغان ورئيس وزرائه السابق بن علي يلدريم، وجرى التصديق على فوز إمام أوغلو بعد 17 يوماً من الانتهاء من التصويت الذي جرى في 31 مارس(آذار) الماضي وتولى إمام أغلو منصبه.

وبعد استلام إمام أوغلو المنصب، اتبع أردوغان خطاباً بدا تصالحياً ودعا أنصاره إلى تقبل الأمر والتطلع إلى الأمام، لكنه سرعان ما تراجع عن ذلك في ما بعد ولجأ إلى التصعيد رافضاً نتائج انتخابات إسطنبول وكرر الدعوة إلى إعادتها، فوجدت لجنة الانتخابات نفسها في مأزق لا تحسد عليه فكان لا بد من الاستجابة لطلب أردوغان وإعادة الانتخابات.

وبدوره، رفض يلدريم الإقرار بخسارته في الانتخابات البلدية التي شكلت صدمة كبرى له ولحزب العدالة والتنمية، خاصةً مع خسارة الحزب معظم المدن التركية الكبرى، واتهم إمام أوغلو حزب أردوغان بمحاولة كسب الوقت عبر مضاعفة الطعون لمحو آثار المخالفات المحتملة المرتكبة في البلدية، وهو ما ينفيه الحزب بشدة.



نقاط قوة
وخاض إمام أغلو حملته الانتخابية بجدارة وحكمة، متفادياً إثارة الانقسام واستفزاز الناخبين، ولجأ إلى خطب ود مختلف قطاعات الناخبين، وكما كان يتوجه إلى الناخبين في الأحياء التي تعتبر معقل حزب حزب العدالة والتنمية، ويتجول في شوارعها، ويتحدث إلى الناس في مسعى لكسب ود المواطنين العاديين.

وقبل انطلاق المناظرة، توقع الخبير في الشؤون التركية، بشير عبد الفتاح أن المناظرة بين يلدريم وإمام أوغلو ستنتهي لصالح الطرف الشاب الذي يمتلك الحيوية، ولديه موقف أقوى بكثير، فهي عادة تخدم الطرف الذي ليس لديه تجربة سابقة يحاسب عليها.

وأكد أن كل المؤشرات تؤكد أن الشعب التركي مصر على معاقبة حزب العدالة والتنمية بسبب اعتدائه على الديمقراطية، والضغوط التي مارسها على اللجنة العليا للانتخابات حتى يصدر قراراً بإعادة الانتخابات مرة أخرى.

وأشار الباحث السياسي طه علي، إلى أن حزب العدالة والتنمية يخشى خسارة مدينة إسطنبول، خاصة مع تزايد شعبية إمام أغلو فى المدينة التركية وتأكيد استطلاعات الرأي بقرب فوز مرشح المعارضة، موضحاً أن المناظرة سيكون لها كلمة الحسم في تحديد الفائز في الانتخابات التي ستجرى نهاية الشهر الجاري.

وأضاف أن "جماهير إسطنبول أغلبها أصبحت تدعم إمام أوغلو لأنها تريد التغيير بعد أن سيطر حزب العدالة والتنمية لسنوات على تلك المدينة"، مؤكداً أن خسارة بن علي يلدريم سيهدد مستقبل أردوغان فى الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة.



الحاجز الأخير
واعتبر الكاتب في موقع "أحوال تركية" ياوز بيدر، أن إمام أوغلو قد يكون الحاجز الأخير بين أردوغان ونظام الحكم الاستبدادي الذي عمل الرئيس التركي بجد لتأسيسه.

وقال إن "إمام أوغلو يُعتبر بالتأكيد رئيس البلدية (الحقيقي) للمدينة، وفاز في انتخابات 31 مارس(آذار) الماضي بفارق نحو 14 ألف صوت، لكن انتصاره سُلب بعد سلسلة من الألاعيب المذهلة التي أدت إلى إلغاء الانتخابات من قبل المجلس الأعلى للانتخابات بعد أن تعرض لضغوط هائلة".

ويرى الكاتب أن يوم 23 يونيو (حزيران) الجاري، سيكون موعداً لإظهار ما إذا كان الإسلاميون سيحترمون نتيجة الانتخابات إذا تكبدوا خسارة ثانية، وسيحدد اختيارهم مصير تركيا.