الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أرشيف)
الثلاثاء 25 يونيو 2019 / 19:30

الوسيلة المتبقية لإنهاء الانقسام

على عكس التحليل الفاشل الذي تبنته الطبقة السياسية الفلسطينية، والذي يروج لمقولة أن الانتخابات التشريعية والرئاسية تكرس الانقسام، فقد ثبت أن مرور اثنتي عشر سنة عليه هو ما كرسه وقاده نحو الانفصال.

أي فلسطيني على سطح المعمورة لا ينتظر امراً قيادياً للتمسك بحق العودة ورفض تزوير عدد ونوعية اللاجئين، وأي فلسطيني لن يقبل المقايضة بتسهيلات حياتية مقابل الالتزام الجمعي بحق تقرير المصير

الرعب من الانتخابات سببه أن الطبقة السياسية المعزولة جماهيرياً تسعى للاحتفاظ بمواقعها في الواجهة، مع أن دورها في القرار معدوم تماماً وليس لها ما تفعل إلا التسابق على الاختباء وراء الرئيس والتنافس على استنساخ مواقفه دون أن يتقدم أحد ولو بملاحظة فيها اجتهاد يخالف التطابق الحرفي مع مواقفه.

غياب الانتخابات يعني إلغاء دور الشعب الفلسطيني في اختيار قياداته عبر استبدال صندوق الاقتراع بما هو أقل من التعيين، أي إعادة الزمن الى الوراء واحلال فصائل لها مسميات وليس لها وجود في الشارع محل من يمتلكون فرصة الوصول إلى مائدة القرار عبر انتخابات عامة.
إن عضو مجلس قروي منتخباً له رصيد شعبي أعمق وأوسع بكثير من رصيد قائد فصيل لا يتجاوز عدد أعضائه أصابع اليد الواحدة أو الاثنتين في أفضل تقدير.

الفلسطينيون اتحدوا في الموقف من المحاولة التي تقوم بها الإدرة الأمريكية لتصفية حقوقهم الأساسية، غير أن الاتحاد في الموقف شيء وانقسام الأداة الرئيسية لفرض الموقف شيء آخر، فمن السهل على أي قائد أن يقول لا لصفقة القرن، وحين تقال فلا تأتي بجديد لأن الموقف الشعبي قالها بأصوات متعددة، ولا يحق لأي سياسي محترف ولو على صعيد اللقب أن يقدم نفسه على أنه صاحب مأثرة الرفض الشعبي للصفقة، فأي فلسطيني في مدينة أو قرية أو مخيم أو في المنفى، لا يحتاج لمن يدله على رفض تقديم القدس هدية من صاحب صفقة القرن لإسرائيل، وأي فلسطيني على سطح المعمورة لا ينتظر امراً قيادياً للتمسك بحق العودة ورفض تزوير عدد ونوعية اللاجئين، وأي فلسطيني لن يقبل المقايضة بتسهيلات حياتية مقابل الالتزام الجمعي بحق تقرير المصير.

الطبقة السياسية التي وصلت في طروحاتها حد الاقتراب من محرم إلغاء السلطة وتجويف منظمة التحرير وتهميش دور المؤسسات وإلغاء الانتخابات، هي المسؤولة عما وصلت إليه الأمور الآن، وليس منطقياً أن تكون هي المنقذ مما أوصلتنا إليه، غير أن وميض أمل أضاء ظلمة الفراغ الذي نعيشه تجسد في طلب قدم للجنة الانتخابات المركزية للإسراع في عملها كي تجري الانتخابات وفق قرار المحكمة الدستورية العليا الذي أعلن الرئيس عباس التزامه به.

لجنة الانتخابات لم ولن تقصر في أداء مهامها في الإعداد والتحضير غير أن جهدها يمكن أن يذهب سدى إذا لم يصدر قرار سياسي عن رأس الشرعية الفلسطينية التي نصر على أنها شرعية واحدة مهما تكاثر مدعوها، قرار يصدره الرئيس محمود عباس بتحديد موعدين حاسمين لا رجعة عنهما في أمر الانتخابات التشريعية والرئاسية.

لقد تهمش الشعب الفلسطيني كثيراً وطويلاً وتهمشت أدوار المؤسسات الفلسطينية حد الإلغاء، وبنظرة متفحصة لما يجري حولنا من تحديات هي بالنسبة للقضية الفلسطينية مصيرية فلم يعد أمام الفلسطينيين من رد عملي على هذه المحاولات سوى أن يحصنوا بيتهم ويرمموا نظامهم السياسي الممزق بين غزة والضفة والمنفى فكلمة لا لصفقة القرن لا تكفي والمظاهرات في الميادين لا تكفي وبالنسبة لشعب واعٍ مثل الشعب الفلسطيني، فإن الذي يكفي هو ضمان المشاركة في القرار عبر مؤسسات منتخبة وليس عبر إطارات مستنسخة عن زمن مضى، وفي أيامنا هذه فلا مصداقية لأي إطار لا ينتجه صندوق الاقتراع.