المؤرخ الهندي راناجيت غُها.(أرشيف)
المؤرخ الهندي راناجيت غُها.(أرشيف)
الجمعة 28 يونيو 2019 / 00:22

التاريخ عند نهاية التاريخ العالميّ!

أعمال غُها تركت أثرًا عميقًا لا في كتابة تاريخ شبه القارة الهندية فحسب بل كذلك في البحوث التاريخية والدراسات الثقافية


 راناجيت غُهاRanajit Guha هو المؤرخ الهنديّ الذي تركت كتاباته التاريخيّة أوسع الأثر في البحث المعاصر في عدد من الفروع المعرفية على مستوى العالم؛ إذ يذكر المفكر الهنديّ بارثاتشاترجي أنَّ أعمال غُها كانت أعمالاً مؤسِّسة لما يُعرف بالدراسات مابعد الكولونياليّة في الأدب والأنثروبولوجيا والتاريخ والدراسات الثقافيّة وتاريخ الفن. ولكنه بدلاً من أن يعيد التاريخ من الأسفل سعى إلى الانخراط السياسيّ النشط في الحاضر ما بعد الكولونياليّ. ويعني مصطلح "التاريخ من الأسفل" اتجاهًا في كتابة التاريخ يرتبط خصوصًا بالمؤرخين الماركسيين الإنكليز، مثل هوبسباوم وطومسن وهوغارث، ويتخذُّ موضوعه البشر العاديين وتجاربهم ومنظوراتهم، بخلاف الصورة النمطية للتاريخ السياسيّ التقليدي بتركيزه على أعمال "عظماء الرجال". كما يهتم بالثقافة الشعبيّة، بخلاف التاريخ الماركسيّ التقليدي الذي يركز على منظمات الطبقة العاملة. وراناجيت غُها هو ضد التاريخ من الأسفل، ويُعد أحد أبرز مؤسسي"دراسات التابع" Subaltern Studies التي تشتغل على نقد التاريخ النخبويّ الكولونياليّ والقوميّ بغية إظهار مايجري بين التابعين، من فلاحين وسواهم عند المستويات الدنيا من المجتمع. ألقى راناجيت غُها الضوء على تواطؤ الانتجلنسيا(النخبة المثقفة) الليبرالية الهندية في القرن التاسع عشر مع المشروع الكولونياليّ في ترسيخ السيطرة على الفلاحين.

يسعى غُها إلى التخلص من المركزيات الأوروبيّة الحاكمة تفسير التاريخ العالميّ من خلال أطلس تاريخيّ أوروبيّ بالدرجة الأولى. ويشتغل على ما أسماه التاريخ عند نهاية التاريخ العالميHistory at the Limit of World_History الذي تجاوز به عقلانية هيغل في تفسيره التاريخ أو ما أسماه غُها "التاريخ العالميّ"؛ وهو ذلك التاريخ الذي أدَّى إلى اغتصاب القارات، وتدمير الثقافات، وتسميم البيئة التي ساعدت الرجال العظماء الذين هم أفراد التاريخ العالميّ على بناء الإمبراطوريات وإيقاع شعوبها الخاضعة في شراك ما يمكن أن تدعوه اللغة التاريخية الزائفة للإمبريالية باسم ما قبل التاريخ. ويرفض غُها أن يُختزل التاريخ العالميّ في مسار أوروبيّ موحَّد لمسارات البشرية جميعها. إنّه في هذا الكتاب المهم جدًا يحثُّ المؤرخين على التخلص من نهاية التاريخ العالميّ المركزيّ الأوروبيّ، يحثهم على أن يتعلموا من الأدب والأنثروبولوجيا والفنون كيف يضمنون سردياتهم أنواع ماضي الشعوب التي تُوصف بأنها لاتاريخ لها. لقد وصف الحائز جائزة نوبل آمارتيا سن أعمال غُها بأنها "تركت أثرًا عميقًا لا في كتابة تاريخ شبه القارة الهندية فحسب بل كذلك في البحوث التاريخية والدراسات الثقافية، والنظريات الأدبية والتحليلات الاجتماعية، في مختلف أنحاء العالم".

ذكرَّني هذا الكتاب بكتاب المؤرخ الفرنسيّ كريستيان غراتالو"هل يجب التفكير في تاريخ العالم بطريقة أخرى؟" في دعوته للخروج من مرجعية المركزيات الأوروبيّة الحاكمة تفسير التاريخ وأرشفته. نحتاج إلى إيلاء دراسات مابعد الكولونياليّة أهمية كبرى في جامعاتنا، خاصة أنّها دراسات قائمة على تعدد الاختصاصات وتقاطع المعارف والعلوم، وهي دراسات يمكن الاستفادة منها في التحليلات السياسيّة وفي التخطيط الاستراتيجيّ بعيد المدى للمستقبل انطلاقًا من تحليل هذه الخطابات بالغة القوة والتأثير.كتاب" التاريخ عند نهاية التاريخ العالميّ" من ترجمة مشروع نقل المعارف الصادر عن هيئة البحرين للثقافة والآثار ومن ترجمة ثائر ديب.