العلمان الأمريكي والتركي (أرشيف)
العلمان الأمريكي والتركي (أرشيف)
الخميس 11 يوليو 2019 / 13:38

هكذا تطور الخلاف بين واشنطن وأنقرة

كتب آرون شتاين، مدير برنامج الشرق الأوسط لدى معهد أبحاث السياسة الخارجية في موقع "فورين أفيرز"، عن الدوامة التي تعانيها علاقة تركيا بالولايات المتحدة منذ سنوات، لافتاً إلى أن البلدين اللذين يفترض أنهما حليفان، يختلفان على قائمة طويلة من القضايا، بدءاً بالمنحى السلطوي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وصولاً إلى رفض الولايات المتحدة ترحيل داعية، مقيم في ولاية بنسلفانيا، متهم بمحاولة قلب الحكومة التركية.

مكنت روسيا أنقره من استئناف عملياتها القتالية المحدودة في مناطق حدودية لمواصلة الضغط على الأكراد، دون تهديد حكم الأسد

ولكن هناك اعتقاد واسع الانتشار بين صناع سياسة أمريكيين، وخبراء أمن قومي، أنه رغم العداء الظاهري بين البلدين، لا تزال نخبة الأمن القومي التركي تعتبر الولايات المتحدة حليفاً لا غنى عنه. ولا تستطيع أنقره حماية مصالحها الوطنية دون التعاون مع الحكومة الأمريكية، أو هذا ما يظنه بعض الخبراء.

تساؤلات
ولكن، حسب شتاين، منذ الغزو الأمريكي للعراق، الذي مهد الطريق لتشكيل حكومة إقليمية كردية أكثر حزماً، رأت تركيا في الولايات المتحدة قوة مزعزعة لاستقرار الشرق الأوسط.

وعزز دعم الولايات المتحدة لميليشيات كردية في سوريا اعتقاد أنقره، ما دفع تركيا نحو أحضان روسيا، وأثار تساؤلات عن التزام تركيا بحلف الناتو. وربما يعد سعي تركيا، حالياً، للحصول على منظومة الدفاع الصاروخي الروسي المتطورة S-400 أكبر شاهد على ضعف ثقة تركيا في واشنطن.

إلى ذلك، حذر البنتاغون، في الشهر الماضي، تركيا من خسارة موقعهاضمن برنامج تصنيع المقاتلة F-35، إذا اشترت النظام الروسي، وباعتبارها عضواً في كونسورتيوم دولي مول تطوير F-35، من المقرر أن تتسلم تركيا 100 وحدة من هذه الطائرة، وخططت لمستقبل قواتها الجوية على هذا الأساس.

ولكن نظام S-400 مصمم للتغلب على تكنولوجيا الشبح الأمريكية، وتخشى الولايات المتحدة أن يؤدي استخدام ذلك النظام لجمع معلومات استخباراتية قيمة عن مقاتلات الجيل الخامس، معلومات قد تصبح في يد موسكو عندما يتولى تقنيون روس صيانة أجزاء من نظام S-400.

وقد أوقفت الولايات المتحدة تدريب طيارين أتراك على طائرة F-35 ، في قواعد داخل الأراضي الأمريكية. كما ستستبعد تركيا من كونسورتيوم تصنيع الطائرة حال تسلمها منظومة S-400، ومنعت من تسلم الطائرة التي ساهمت في تمويلها.

خيار سياسي

ولكن، حسب كاتب المقال، رفض أردوغان الانصياع للمطالب الأمريكية، موضحاً أن الاتفاق مع روسيا سيُحترم. وبقراره هذا، اتخذ أردوغان خياراً سياسياً، موحياً للجميع بأنه مستعد للتخلي عن علاقات ودية مع واشنطن لصالح علاقات وظيفية مع موسكو.

ويشير شتاين إلى أن التحالف التركي الأمريكي نشأ بدايةً بسبب مخاوف مشتركة من التوسع السوفييتي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وجعل قرب تركيا من أراضي الاتحاد السوفييتي، من أنقرة حليفاً مثالياً لخدمة مساع أمريكية لمراقبة عدو الحرب الباردة، ولإعاقة تحرك فرق سوفيتية في بلغاريا، وأرمينيا، إذا نشبت حرب،.

وفي المقابل، حصلت تركيا على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، التي نشرت أسلحة نووية في البلاد لمنع هجوم سوفييتي.

لكن، ومنذ نهاية الحرب الباردة قبل 30 عاماً، تعمل الولايات المتحدة وتركيا على تحديد مصالحهما المشتركة. وتسارع هذا التباعد التدريجي بعد غزو أمريكا للعراق، في 2003 وخلع صدام حسين، ما ولد فراغاً في السلطة ملأته جزئياً حكومة كردستان العراق.

وبدعم أمريكي، حقق مسؤولون أكراد استقلال مؤسسات الحكم، ما أثار حفيظة نخبة الأمن القومي التركي التي ترى في القومية الكردية خطراً وجودياً.

تهميش
ومع اندلاع الحرب في سوريا سعت أنقره لتهميش أكراد سوريين استولوا، في بداية 2012، على مناطق حدودية يشكل أكراد أغلبية سكانها. ولكن مع بروز منظمات متطرفة متحالفة مع مجموعات سورية متمردة على طول الحدود مع تركيا، اختارت الولايات المتحدة تحقيق أهدافها في محاربة الإرهاب مع شريك مختلف: ميليشيات كردية سورية.

وبعث ذلك الخيار رسالة واضحة إلى أنقره بأن الولايات المتحدة تقدم مصالحها الأمنية القومية على مصالح أنقرة. وردت تركيا بغزو شمال سوريا في مناسبتين مختلفتين، في 2016 و2018، للضغط على الولايات المتحدة لقطع علاقاتها مع الميليشيات الكردية السورية، ومنع قيام كيان كردي مستقل على طول حدودها.

ومن المفارقات، حسب الكاتب، لم يأت تعاون تركيا مع روسيا إلا بعدما نجحت موسكو في طرد مقاتلين مدعومين من أنقرة خارج مدينة حلب، في بداية 2016، حيث قطعت موسكو طريق أنقرة للوصول إلى تلك المدينة، التي كانت، منذ بداية الحرب السورية، محور الجهود التركية للضغط على الأسد.

وفي الوقت نفسه، مكنت روسيا أنقرة من استئناف عملياتها القتالية المحدودة في مناطق حدودية لمواصلة الضغط على الأكراد، دون تهديد حكم الأسد.

ويرى الكاتب أن كل ذلك يساعد في تفسير سبب شراء تركيا نظام S-400، ويعني أيضاً تخلي أنقرة عن أولويات تقليدية، مثل المخاطرة بمستقبل قواتها الجوية، لتعميق علاقتها مع موسكو.