العاهل السعودي مع رؤساء الحكومة اللبنانية السابقين (واس)
العاهل السعودي مع رؤساء الحكومة اللبنانية السابقين (واس)
الثلاثاء 16 يوليو 2019 / 01:28

الدعم السعودي للبنان.. تمسك باتفاق الطائف وقطع للطريق على حزب الله

24- نيفين الحديدي

أعلنت السعودية الإثنين، دعمها المتواصل للبنان الذي يواجه أزمة مالية متفاقمة، حمايةً لأمنه، واستقراره، ووحدته، والحفاظ عليه في محيطه العربي، وذلك بعد أيام قليلة من تصريحات أمين عام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، تهجم فيها على دول الخليج وفي طليعتها السعودية، في ظل التوتر الذي تشهده منطقة الخليج بين إيران والولايات المتحدة، وتواصل الخلل السياسي في لبنان بهيمنة الحزب المتنامية التي أضحت تهدد التوازن الهش في بيروت ذاتها.

وقال رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي الإثنين، إن السعودية "ستمد يد العون للبنان" الذي يواجه تحديات، وذلك بعد اجتماعه هو ورئيسي وزراء لبنانيين سابقين، مع العاهل السعودي الملك سلمان.


وقال رئيس وزراء لبنان السابق، الذي حضر الاجتماع، إن "المحادثات كانت مهمة فيما يتصل بدعم اقتصاد لبنان، واستقراره، ووحدته".

وتواجه الحكومة اللبنانية المثقلة بأحد أكبر أعباء الدين العام في العالم أزمة مالية، تريد معالجتها بإصلاحات منتظرة منذ وقت طويل.

ويأتي إعلان السعودية مواصلة دعمها للبنان، في ظل تصاعد التوتر في المنطقة، التي أذكتها تصريحات حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني، وزادتها حدة.


وكان حسن نصر الله، هدد في الأسبوع الماضي، باستهداف المصالح الأمريكية، والخليجية إذا اندلعت حرب ضد إيران.

ولكن الدعم السعودي للبنان لا يستند فقط على التحرك، للجم نفوذ حزب الله، بل لحماية اتفاق الطائف الذي أخرج لبنان من حربه الأهلية المدمرة، وأرسى توافقاً وتوزناً سياسياً جديداً فيه، ما سمح باستعادة الدولة والمجتمع لحيوتهما بالتدريج حتى قبل ظهور الحزب على الساحة، وتغوله على حساب قطاعات أخرى، وأطياف وحساسيات سياسية وثقافية ودينية في لبنان.

وعملت السعودية منذ توقيع الطائف في 1989 على رعاية هذا المسار الجديد في لبنان، ودفعه إلى الأمام، لإخراج لبنان من أزمته العميقة، ولكن تغول الحزب، من جهة وتطاوله على اتفاق الطائف نفسه، وصولاً إلى المطالبة بتعديله أصبح مبعث قلق وتوتر إضافي في لبنان والمنطقة، وهو ما لا يمكن للسعودية أن تقبل به، في ظل التطورات في المنطقة من جهة، وسعي حزب الله، على تطويق رقبة بيروت بحبل إيراني متين، وهو ما يُهدد باستمرار الأزمات في المنطقة من المتوسط السوري إلى العمق الخليجي فترة طويلة أخرى، بسبب التعنت الإيراني من جهة وإصرار الحزب على تبني هذا المسار الخطير، سعياً لإحداث قطيعة بين لبنان ومحيطه الطبيعي العربي في المنطقة.



وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان، قال في يناير(كانون الثاني) الماضي، إن الرياض ستدعم لبنان "على طول الطريق" لحماية استقراره.

" وأضاف في تصريح لشبكة "سي إن بي سي"، أن "السعودية كانت وستظل، محفزاً مهماً جداً للاستقرار في لبنان".

ويتناعم إعلان الوزير السعودي مع تصريحات مسؤولين لبنانيين أكدوا سابقاً أن الرياض لن تتخلى عن لبنان في محنته، في بعديها السياسي ممثلاً في حزب الله، والاقتصادي بسبب مأزق المديونية العامة الهائلة.

وفي مارس (آذار) الماضي، رحب مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية، بقرار بريطانيا تصنيف ميليشيا "حزب الله" بمجملها منظمةً إرهابيةً، ووصف المصدر تصنيف الميليشيا المدعومة من إيران منظمةً إرهابيةً بالخطوة المهمة والبناءة في جهود مكافحة الإرهاب حول العالم، في خطوة أولى لقليم أظافر الحزب، دولياً وإقليميا، بحثاً عن التخلص من تهديده، ولإنقاذ لبنان من فكيه.

وذكر المصدر أن خطوة المملكة المتحدة تأتي متوافقة مع ما سبق أن اتخذته السعودية تجاه الحزب الإرهابي بشقيه العسكري والسياسي.

وكانت دول الخليج العربية أيضاً قد أعلنت حزب الله "جماعة إرهابية"، ما زاد من احتمالات فرض المزيد من العقوبات على الجماعة، التي تتمتع بنفوذ في لبنان وتحارب إلى جانب الرئيس بشار الأسد في سوريا.


وتعد نسبة الدين العام من إجمالي الناتج المحلي في لبنان من بين أعلى المعدلات في العالم، وفق تقرير ، ويعاني اقتصاد البلاد من الركود، في الوقت الذي يضغط فيه المقرضون الدوليون لإجراء إصلاحات عاجلة، قبل إطلاق استثمارات بمليارات الدولارات.

ولهذه الأسباب مجتمعة ترفض السعودية التنازل لحزب الله، وراعيته طهران، عن لبنان في إطار جهودها لمكافحة التمدد الإيراني في المنطقة من جهة، وفي إطار استراتيجية دفاعية جديدة، تقطع مع الانتظار السابق، وترك المجال لإيران لتنفرد بالعواصم العربية، الواحدة تلو الأخرى، مثل بغداد، ودمشق، وصنعاء.

وفي إطار هذه الاستراتيجية السعودية لدعم لبنان، تدرك الرياض، أن التخلي عن لبنان سيجعله فريسة للتمدد الإيراني، خاصة بعد فوز ميليشيات حزب الله وحلفائه في انتخابات مايو(أيار) 2018، بالأغلبية البرلمانية، ومضيه في تجاوز الخط الأحمر اللبناني ممثلاً في سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة.

وعلى هذا الأساس قال رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي كان ضمن الوفد الذي التقى العاهل السعودي، الإثنين: "نحتاج إلى إيجاد المسافة الصحيحة بين الدولة اللبنانية وحزب الله، خاصةً أن كلام الحزب عن سياسة النأي بالنفس بقي حبراً على ورق"، معتبراً أنه  من الأهمية بمكان "إعادة الاعتبار إلى اتفاق الطائف على قاعدة العيش المشترك بين اللبنانيين، وضرورة أن يُصار إلى مزيد من الالتزام بالدستور الذي انبثق منه" وفق ما نقل عنه موقع إندبندنت عربية.



ويعود الدعم السعودي لبنان لعقود طويلة، ويوثق تقرير أعدته قناة "روسيا اليوم"، أهمية الدعم المالي والاقتصادي السعودي للبنان اقتصاداً ودولةً، منذ اتفاق الطائف في 1989، رغم أقدم من ذلك بكثير  إذ أسهم دعم المملكة في دعم الاقتصاد اللبناني، فضلاً عن المشاركة في حصة كبيرة من إعادة إعمار ما هدمته الاعتداءات الإسرائيلية.

وضخت السعودية في الدورة الاقتصادية اللبنانية بين 1990 و2015، أكثر من 70 مليار دولار، بشكل مباشر وغير مباشر، بين استثمارات، ومساعدات، ومنح، وهبات، وقروض ميسرة، وودائع في البنوك والمصارف، وفق ما نقلت صحيفة الشرق الأوسط.


وفي هذا السياق قال نجيب ميقاتي من جهته: "سمعنا من خادم الحرمين حرصه على أمن لبنان واستقراره، وتحصين اتفاق الطائف والعيش الواحد في لبنان". وأضاف: "قال لنا جلالته إن لبنان هو المنتدى العربي الفاعل والحاضر في كل مكان، ويجب على اللبنانيين الحفاظ عليه، كما المطلوب من الدول العربية مساندته".

وشدد ميقاتي، على أن المرحلة هي لدعم الدولة، "لأنّ الأهم في الوقت الحاضر أن نعمل على إنقاذ وطننا".

وتعكس المقاربة السعودية الجديدة، إدراكاً لضرورة وقف التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، أين كانت، سواءً في لبنان عبر حزب الله، الذي يستغل الوضعين الاقتصادي والسياسي، أو في اليمن، عبر ميليشيات الحوثي، في إطار نظرة استراتيجية، لا تقبل التخلي لإيران عن شبر واحد من الأرض العربية، تغرس فيه جذر نفوذ، وذلك برفض استفراد أي فريق في لبنان بالقرار على حساب باقي الأطراف التي تشكل كيان لبنان ووجوده، ويهدد اختلال توازنها بإعادة المنطقة إلى أتون الحرب المدمرة، ليس كما عرفها لبنان بين 1975 و أواخر 1989، ولكن إلى حرب من الجيل الجديد، بعد تسرب إيران إلى المعادلة اللبنانية من بوابة حزب الله، ما أتاح له فرصة الاستفراد بلبنان مدعوماً  بالمحور الإيراني السوري الذي مثلته نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان، وفق تقرير إندبندنت عربية.