منصات صواريخ "أس-400" الروسية.(أرشيف)
منصات صواريخ "أس-400" الروسية.(أرشيف)
الخميس 18 يوليو 2019 / 14:48

أردوغان يرمي بنفسه في أحضان بوتين

يلفت انشيل فايفر، مراسل صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إلى أن بدء شحن منظومة الدفاع الصاروخية الروسية الجديدة "إس 400" إلى تركيا يتزامن مع الذكرى الثالثة لمحاولة الانقلاب ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وربما يكون هذا الأمر مجرد صدفة، ولكن الصفقة الروسية على الأرجح ستقود إلى انهيار صفقة المقاتلات الأمريكية من طراز "إف35".

تؤدي خسارة مقاتلات "إف35" إلى حرمان سلاح الجو التركي من الارتقاء إلى تكنولوجيا الجيل الخامس

ويذكّر مراسل "هآرتس" بأنه في الوقت الذي قصف فيه الطيارون الأتراك "الانقلابيون" البرلمان والقصر الرئاسي في أنقرة بطائرات "إف 16" وحاولوا قصف طائرة أردوغان أثناء رحلته إلى اسطنبول بعد هروبه من القبض عليه في فيلته الساحلية، حبست الحكومات الغربية أنفاسها، ولم تجرؤ على التعبير عن آمالها في الاطاحة بالزعيم المستبد المناهض للغرب على أيدى مجموعة من الجنرالات الذين قد يكون التعامل معهم أفضل.

فرصة ذهبية لروسيا
ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استغل صمت زعماء الغرب، وكما فعل مرات عدة من قبل، لم يتردد في ملء هذا الفراغ وعبر سريعاً عن تضامنه مع أردوغان. وبدت هذه الخطوة غامضة؛ لا بسبب الخصومة التاريخية بين روسيا وتركيا فحسب، وإنما لتعارض مواقفهما إزاء الحرب الأهلية السورية، حيث تدعم روسيا نظام الأسد بينما تدعم تركيا نطاق واسع من جماعات المعارضة. وعلاوة على ذلك أسقطت تركيا طائرة مقاتلة روسية على حدودها مع سوريا في نوفمبر(تشرين الثاني) 2015.

ويرى المراسل أن بوتين وجد في علاقة أردوغان المضطربة مع قادة الغرب فرصة ذهبية لإضعاف حلف الناتو، ومنذ الانقلاب الفاشل ازداد التقارب بينه وبين أردوغان. وقد توطدت هذه العلاقة وترسخت بالفعل (طالما ظل الرئيسيان في السلطة) مع إصرار تركيا على استلام صفقة الأسلحة الروسية لصواريخ "إس400" رغم التحذيرات والتهديدات المتكررة للولايات المتحدة من تداعيات امتلاك عضو رئيسي في حلف الناتو لأنظمة الأسلحة الروسية.

وعود غير كافية
ويوضح المقال أن تركيا وعدت بعدم دمج أنظمة الدفاع الروسية الجوية "إس400" في شبكات الدفاع الجوي الأوسع التابعة لحلف الناتو، ولن يتم استخدامها إلا في حماية أراضيها من الصواريخ الباليستية. ولكن يرتاب زعماء الناتو والبنتاغون من أن هذه الوعود ليست كافية لمنع ضباط المخابرات الروس (المنخرطين في الفريق الروسي المسؤول عن تدريب الفريق التركي على الأسلحة الجديدة) من الحصول على معلومات مهمة، ومن ثم فإن المقاربات الجنوبية الشرقية لحلف الناتو باتت الآن معرضة أكثر للخطر.

وربما يتراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض عقوبات رسمية ضد تركيا، ولكن من غير المعقول أن يتسلم سلاح الجو التركي أيا من مقاتلات الشبح طراز "إف 35" البالغ عددها 30 مقاتلة من إجمالي 120 طلبتها تركيا، قد تم بالفعل تعليق الرحلات الجوية لتدريب الطيارين الأتراك على مقاتلات "إف35" في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من تأثير شركة "لوكهيد مارتن" (المصنعة للمقاتلات من طراز "إف 35") الشديد على الرئيس ترامب، إلا أن الشركة على الأرجح سوف تفضل فقدان الصفقة التركية بدلاً من تبديد القدرات الفريدة لمنتجها.

لا تراجع عن الصفقة الروسية

ويُشير مراسل "هآرتس" إلى أن طائرات "إف35" صممت للتهرب من منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس 400"، أول نظام روسي مضاد للطائرات، ولذلك إذا حصلت تركيا الآن على طائرات "إف 35" فإنه يمكن تطوير تكتيكات من شأنها أن تقود إلى تمكين منظومة الصواريخ الروسية "إس 400" من الكشف عن طائرات "إف 35"، من خلال حصول الروس على معلومات قيمة حول الطائرات الأمريكية، ويعني ذلك تراجع هذه الميزة الاستراتيجية للقوة الجوية الأمريكية.

وفي الوقت نفسه، سوف تؤدي خسارة مقاتلات "إف35" إلى حرمان سلاح الجو التركي من الارتقاء إلى تكنولوجيا الجيل الخامس. ومع أنها قادرة على شراء مقاتلات الشبح من روسيا أو الصين، إلا أنها لاتزال قيد التطوير ولن تكون متاحة للتصدير في أي وقت قريب، ومن المستبعد أن تكون بإمكانيات مقاتلات "إف35". وحتى هذا الأسبوع، كان البنتاغون لايزال يأمل أن تسفر التهديدات الأمريكية عن تردد تركيا أو تأخيرها في قبول الصفقة الروسية، ولكن أردوغان لن يتراجع.

تركيا وحلف الناتو
ويلفت مراسل "هآرتس" إلى أن تركيا كانت دوماً عضواً مثيراً للقلق بالنسبة لحلف الناتو؛ فهي الدولة الأقل ديمقراطية قبل فترة طويلة من تولي أردوغان السلطة، وأوشكت على الدخول في حرب عدة مرات مع عضو آخر بالحلف، هو اليونان، ولكن خلال الحرب الباردة وما بعدها، ظلت تركيا شريكاً مهماً في مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق، وبعد انهياره، ساهمت في الكثير من عمليات التحالف. بيد أن تركيا في السنوات الأخيرة لم تعد حليفة للغرب.

وخلال الحرب السورية، نفذت تركيا أجندتها الخاصة؛ إذ قامت بتسليح الجهاديين والسماح للدواعش بالمرور عبر أراضيها، وعندما بدأت الولايات المتحدة في قصف أهداف داعش خلال 2014 رفضت تركيا السماح للطائرات الأمريكية باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية.

الانقلاب الفاشل
ومنذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو (تموز) 2016، عمد أردوغان إلى تطهير القوات المسلحة التركية من الضباط الذين عملوا مع حلف الناتو واستبدالهم بالمناهضين للغرب إلى حد كبير، فضلاً عن توطيد التنسيق العسكري مع روسيا وإيران، كما يقود أجهزة الاستخبارات منذ سنوات مسؤولون موالون لإيران.

ويقول المراسل: "لم يحدث من قبل أن تم طرد دولة من عضوية الناتو، ولا يفكر أحد بجدية في القيام بذلك مع تركيا؛ لاسيما أن الأخيرة لديها ثاني أكبر جيش في الحلف (سواء في أعداد الأفراد أو المعدات)، وتزود الناتو بقواعد عسكرية قريبة من روسيا، حتى مع حقيقة أن تلك الأمور لم تعد ذات أهمية في عصر المراقبة الفضائية والطائرات بدون طيار القادرة على شن ضربات حول العالم".

وفي الوقت نفسه، لا تسعى تركيا أيضاً إلى الخروج من عضوية الناتو رغم التوترات مع الغرب؛ حيث تساهم صيانة قواعد التحالف بشكل كبير في اقتصادها، ويحقق جيشها الكثير من المكاسب من عضوية تركيا في الناتو. وبحسب مراسل "هآرتس"، لا تتوافر لدى الناتو خيارات كثيرة سوى التكيف مع علاقة جديدة مع أحد أعضائه الرئيسيين.

مأزق مألوف
وعلى جانب آخر، يواجه مسؤولو الأمن الإسرائيليون مأزقاً مألوفاً؛ فقد كانت تركيا، لعقود من الزمن، أقرب حليف استراتيجي لإسرائيل في المنطقة، قبل أن يقضي أردوغان على هذا التحالف تدريجياً. ويقول جنرال إسرائيلي بارز: "أردوغان يكره إسرائيل وهو معادٍ للسامية بوضوح، ولكن هذا لا يعني أن تركيا عدو، خاصة أن أردوغان لايزال يحافظ على العلاقات الدبلوماسية، والتجارة قوية بين البلدين، وثمة أمل أنه بمجرد رحيل أردوغان عن السلطة، سيعود التعاون العسكري بين البلدين إلى ما كان عليه في السابق".

ويختتم المقال بأن إسرائيل وجدت بدائل أخرى من خلال تحسين العلاقات العسكرية مع اليونان وقبرص؛ حيث تتدرب الطائرات الإسرائيلية وقوات الكوماندوس هناك بشكل روتيني. ومن المتوقع أن يعتمد حلف الناتو بدرجة أكبر على إسرائيل، بدلاً من تركيا، في شرق البحر المتوسط والمنطقة الأوسع لحين رحيل أردوغان عن السلطة.