رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو .(أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو .(أرشيف)
الأحد 21 يوليو 2019 / 20:46

ماذا لو اختلفت الخيارات؟

ماذا حقق نتانياهو لإسرائيل، وكيف أثر وجوده الطويل، في صدارة المشهد السياسي منذ صعوده المفاجئ، كأصغر رؤساء الحكومات سنّاً في عام 1996، على هوية وماهية المجتمع الإسرائيلي

يُوصف دافيد بن غوريون بأنه مؤسس الدولة، وأول رئيس لأوّل حكوماتها، وصاحب أعلى رصيد، بالمعنى الزمني، في شغل منصب رئيس الوزراء. ولكن الصفة الأخيرة سقطت من التداول يوم أمس السبت، فأصبح بنيامين نتانياهو صاحب الرصيد الأعلى. والواقع أن هذه الدلالة لم تغب عن أعين معارضيه ومؤيديه على حد سواء، وتحوّلت إلى جزء من السجال العام، الذي سبق اليوم الموعود، ولم ولن يتوقف بعده.

ولعل أبرز ما في هذا السجال محاولة الإجابة على أسئلة من نوع: ماذا حقق نتانياهو لإسرائيل، وكيف اثر وجوده الطويل، في صدارة المشهد السياسي منذ صعوده المفاجئ، كأصغر رؤساء الحكومات سنّاً في عام 1996، على هوية وماهية المجتمع الإسرائيلي، وقضايا الحرب والسلام.

وبما أن السجال العام يدور، هذه الأيام، على أعتاب انتخابات برلمانية مُقبلة، ستحسم مصير نتانياهو نفسه، فقد كان من المنطقي أن يكون جواب هذا الطرف أو ذاك جزءاً من حملته الانتخابية عشيّة انتخابات مُنتظرة في سبتمبر( أيلول) المُقبل.

ومع ذلك، ثمة، على الأرجح، ما لن يتمكن المؤرخون من تجاهله في سيرة نتانياهو بعد وقت قد يطول أو يقصر. وأوّل ما يتصدّر القائمة، في هذا الصدد، نجاح المذكور، بمزيج من الشعبوية، وصناعة السياسة والانتخابات على الطريقة الأمريكية، في تحويل اليمين القومي ـ الديني إلى تيار سائد في المجتمع الإسرائيلي، ومن غير المتوقّع تراجع هذا النفوذ في وقت قريب، مع كل ما ينطوي عليه أمر كهذا من تصاعد الفاشية، وتقويض مبادئ التعددية السياسية، وسيادة القانون.

وبالقدر نفسه، نجح نتانياهو في تعطيل حل الدولتين، وأخرجه من التداول بوصفه خارطة الطريق المقبولة، على مدار ما يزيد عن عقدين، من جانب الغالبية العظمى من اللاعبين الإقليميين والدوليين، علاوة على الأمم المتحدة بوصفها مرجعية للشرعية والقانون الدوليين. وقد أسهم من خلال تعزيز الاستيطان، وتقوية شوكة المستوطنين على الأرض، ونفوذهم السياسي، في أروقة السلطة الإسرائيلية، في سد الطريق، من ناحية عملية، أمام حل كهذا.

وبالنظر إلى حصوله من الأمريكيين على ورقة نقل سفارتهم إلى القدس، وشرعية ضم الجولان السوري المُحتل، وإلى التأويلات والتكهنات المتداولة بشأن الصيغة النهائية لما يُعرف بصفقة القرن، التي لم تتضح معالمها النهائية بعد، فمن الواضح أن حل الدولتين لم يعد عملة مُتداولة من ناحية، وأن بديلاً لنظام الأبارتهايد، القائم بقوّة الأمر الواقع، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لم يوجد بعد، من ناحية ثانية.

وهذه هي الثغرة التي يحاول خصومه في يمين الوسط، وما تبقى من اليسار، النفاذ منها للنيل من سياسة تفتقر، في رأيهم، إلى نظرة استراتيجية، وتهدد حتى في المدى المنظور بتحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية يفقد فيها اليهود تفوّقهم الديمغرافي، ويفقد مجتمعهم هويته اليهودية. وهذا يعني، في الحالتين، نهاية إسرائيل كدولة يهودية.

وإذا وضعنا في الاعتبار حقيقة أن الدوافع الشخصية، والمصلحة الخاصة، وهوس البقاء في سدة الحكم بكل طريقة ممكنة، صفات وثيقة الصلة بشخصية نتانياهو، فمن غير الواضح حتى الآن لمَنْ الأولوية في خياراته السياسية: للأيديولوجيا، وهو وريث عائلة صهيونية مُتشددة، أم للحسابات الشخصية. ومع ذلك، لا يبدو من قبيل المجازفة القول إن سلوكه السياسي يبدو مزيجاً من الاثنين.

وبقدر ما أرى الأمر، وعلى الرغم مما يبدو، للوهلة الأولى، نجاحاً في السياستين الداخلية والخارجية، حتى وإن كانت تداعياته سلبية في المدى المتوسط والبعيد، إلا أن أحداً لن يفشل، بعد وقت قد يطول أو يقصر، في اكتشاف أن أوجه الشبه بينه وبين بن غوريون لا تقتصر على طول الفترة الزمنية في سدة الحكم. فمسؤولية خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، والحيلولة دون حلها، عشيّة وبعد قيام الدولة، تقع على عاتق بن غوريون وخياراته. وربما اختلف كل تاريخ الصراع الفلسطيني والعربي ـ الإسرائيلي، لو كانت خياراته مختلفة في حينها.

وهذا قد يصدق على نتانياهو بأثر رجعي، في يوم ما، نتيجة ما يتجلى كخيارات ومناورات يمتزج فيها الشخصي بالعام في الوقت الحاضر، فإخراج حل الدولتين من التداول، لكسب أصوات المستوطنين، بما يكفل البقاء في سدة الحكم، ومحاولة تأبيد الاحتلال، وتحويل الأبارتهايد من واقع قائم إلى حل دائم، أو حتى التفكير في هندسة جديدة للحدود والمصائر، يخلق من المشاكل بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين، وللإقليم والعالم، أكثر مما يحل، ويجعل احتمال السلام والاستقرار، في هذا الجزء من العالم أبعد من أي وقت مضى.