تمثال للإله شيفا.(أرشيف)
تمثال للإله شيفا.(أرشيف)
الجمعة 2 أغسطس 2019 / 17:46

قصة نجاح من الحج

ربما بدا ضرب من الجنون بعد مقتل ما يصل إلى 1300 هندوسي في سبيل تأسيس الدولة الإسلامية أن يعود وادي كشمير ليفتح ذراعيه أمام الأقليات

في هذا الوقت من العام الذي تهفو خلاله أفئدة المسلمين إلى مكة المكرمة، فإن أخوة لنا في كشمير منشغلون بشعائر الحج إلى الإله شيفا.
ولنتمهّل قليلاً قبل قرع طبول المظلومية، وإطلاق نداءات "وامعتصماه". 

بالطبع، إن توتّر العلاقات بين المسلمين والهندوس في إقليم كشمير ليس بالحدث الجديد، وإن كان قد وصل إلى ذروته قبل 20 عاماً من الآن حينما بدأ تهجير ما يتراوح بين 300 و600 ألف هندوسي على يد جبهة تحرير جامو وكشمير.

لم تدخر الحركات الانفصالية الراغبة في إنشاء الدولة الإسلامية حيلة لطرد الهندوس، فتم إزهاق الأرواح، واغتصاب النساء، وإحراق البيوت والمحلات، وفرض الشريعة بتعنت يتضمّن منع الكحول والسينما. بل أن التاريخ يذكر تواجد رجال ملثمين مدججين بالكلاشنيكوف يجبرون الجميع على إعادة ضبط ساعاتهم لتدق وفقاً لتوقيت باكستان!

كانت الرسالة واضحة وقوية: كشمير المسلمة تلفظ "كفّارها".
ولربما بدا ضرباً من الجنون بعد مقتل ما يصل إلى 1300 هندوسي في سبيل تأسيس الدولة الإسلامية أن يعود وادي كشمير ليفتح ذراعيه أمام الأقليات.
في مخيلات العديدين –وربما كنت منهم- لقد رُسمت علامة "أكس" بلون الدماء القانية على الإقليم، لتعنونه على الخارطة غير الرسمية للعالم كبقعة موبوءة بالتشدد والتطرف، والله وحده أعلم بإمكانية نجاتها.

ولكن بعد 20 عاماً على تلك الأحداث، ها هي كشمير تشهد تدفّق مئات الآلاف من الهندوس إليها، وهذه المرة كزوار خاطفين لإقامة شعائر الحج السنوية. فلمدة 6 أسابيع بين يوليو(تموز) وأغسطس (آب) من كل عام، يحج المؤمنون إلى عمود جليدي ضخم في داخل كهف أمارناث، وهو الذي يُعتبر في معتقدهم تمثلاً جسدياً للإله شيفا.

ولأن البشر أبسط مما نتخيل في بعض الأحيان، فلقد تصدّر مسلمو كشمير قائمة المبادرين لخدمة الحجيج الهندوسي، وتسهيل شعائرهم!
لقد تيقّن المسلمون –حتى على الرغم مما قد تحمله صدورهم من أحقاد طبيعية ومتبادلة ضد الهندوس- بأنهم يعيشون أزمة اقتصادية طاحنة بسبب الوضع السياسي والأمني الشائك، والذي أضرّ بأكثر من قطاع حيوي كالسياحة والزراعة.

وحينها تُركت الخلافات في محلها الأصلي، أي في دور العبادة، وقاعات المؤتمرات، وطاولات المناظرات، وشمّر آلاف المسلمين عن سواعدهم لاستغلال موسم الحج إلى أمارناث.

فبينما تعمل أعداد مهولة من المسلمين على تعبيد الطرق الوعرة المؤدية إلى الكهف، تفرّغ آخرون لتأجير الخيام إلى الحجيج الهندوس نظير 10 دراهم في الليلة، أو حتى تأجير الحمير والخيول لمساعدتهم على مشاق الرحلة. بل أن بعض العمّال المسلمين لم يتحرّج من تأجير "منكبيه" لحمل المرضى وكبار السن من الحجيج الهندوس عبر الجبل!

وعلى الرغم مما يلهمه هذا التحول العجيب في دواخلكم من دروس وعبر عن سطوة المال، وتغوّله حتى على حساب القيم والقضايا، فإنه يؤكد لي شخصياً بأننا كلنا بشر، "وعايزين نعيش" .. لا أكثر ولا أقل.