رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الأحد 4 أغسطس 2019 / 19:31

خيارات قليلة ولكن أحلاها مرٌ..!

موازين القوى، المدعومة باستطلاعات الرأي، تدل على وجود أكثر من مأزق، وأن العقدة في كل هذا المأزق أصبحت نتانياهو نفسه

أُغلق، قبل أيام، في مطلع الشهر الحالي، باب تسجيل القوائم لانتخابات الكنيست. فكيف يبدو المشهد السياسي، في إسرائيل، عشيّة انتخابات مصيرية، فعلاً، بكثير من المعاني، بعدما تبلورت خارطة الأحزاب، والكتل والتحالفات، في 32 قائمة رسمية يحتدم بينها التنافس على 120 مقعداً، هي العدد الإجمالي لمقاعد البرلمان، خاصة وأن الفترة الزمنية التي تفصل الإسرائيليين عن اليوم الموعود، في السابع عشر من أيلول المُقبل، تقل الآن عن ستة أسابيع؟

اللافت للنظر، في معرض التفكير في أمر كهذا، أن لا مفاجآت كبيرة، بالمعنى الحقيقي للكلمة. فالقوائم العربية، التي تشرذمت في الانتخابات الأخيرة، قبل أشهر قليلة، أعادت توحيد قواها في قائمة موحّدة. ولكن هذه الخطوة، حتى وإن أسهمت في كسب أصوات إضافية لن تُغيّر كثيراً في موازين القوى.

فلا أحد في المعسكر الصهيوني يُفكّر في التحالف، أو تشكيل ائتلاف حكومي، مع القوائم العربية، التي لا يحتاجها هؤلاء إلا في حال طرح عدم الثقة بالحكومة من جانب المعارضة، أو التصويت ضد قوانين معيّنة. ونتيجة هذا التهميش، تتجلى في الآونة الأخيرة نزعة لمقاطعة اللعبة الانتخابية من جانب الفلسطينيين في إسرائيل، لا نعرف مدى حجمها أو تأثيرها.

وفي سياق الكلام عن المفاجآت، أيضاً، كانت عودة إيهود باراك، الذي اعتزل السياسة منذ سنوات، إلى المشهد السياسي مفاجئة للكثيرين. ومع ذلك، يصعب اعتبارها من الوزن الثقيل، حتى وأن انطوت على دلالات تتجاوز باراك نفسه، وما لديه من نفوذ في أوساط الناخبين.

ولا يبدو في عودة باراك ما يدل على رغبة في دخول الكنيست، فاسمه لا يحتل مكانة بارزة في قائمة "المعسكر الديمقراطي"، الموحّدة التي شكّلها بالتحالف مع حركة ميرتس. كل ما في الأمر أن اليسار الصهيوني أصبح هامشياً إلى حد بعيد، ولكن ما تبقى من ناخبيه التقليديين، يُمكّن باراك، وغيره من رموز العماليين، من قرع الجرس والتحذير من بقاء نتانياهو في سدة الحكم.

ومع ذلك، يشكو هذا اليسار من التشرذم، فقد ظل حزب العمل، خارج "المعسكر الديمقراطي"، الذي يصعب القول إنه سيتمكن من جذب ناخبين من جهة اليمين، أو يمين الوسط. بمعنى آخر، قد يستميل معسكر باراك ناخبين من تحالف أبيض ـ أزرق، ومن حزب العمل، وهذا من شأنه تفتيت الصوت الانتخابي بين القوى المُعارضة لنتانياهو.

يمثل كل ما ذكرنا مفاجآت صغيرة، وقليلة التأثير على الميزان الفعلي للقوى، الذي لم يشهد مفاجآت، وتحوّلات حاسمة. فالوزن الانتخابي لتكتل الليكود، بقيادة نتانياهو، يوازي الوزن الانتخابي لتحالف أبيض ـ أزرق، بقيادة غانتس. وفرصة الأوّل في تشكيل حكومة يمينية رهينة لدى أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، ومشروطة بموافقته. فهو "بيضة القبّان" في انتخابات سابقة، ولاحقة، أيضاً. ومصير نتانياهو الشخصي، والسياسي، في يده.

وما يضفي على ورطة نتانياهو، في هذا الشأن، تعقيدات إضافية أنه لا يستطيع دفع الثمن المطلوب للإفلات من قبضة ليبرمان. فتحالف أبيض ـ أزرق يشترط استبعاد نتانياهو من رئاسة الحكومة لمشاركة الليكود في حكومة ائتلاف وطنية. ونتانياهو لا يستطيع الحصول على أغلبية بالتحالف مع أحزاب معسكر اليمين القومي ـ الديني، دون ليبرمان، وانحياز ليبرمان إلى تحالف أبيض ـ أزرق قد يعيد الليكود إلى المعارضة، واستمالة ليبرمان من جانب نتانياهو تعني فض التحالف مع الأحزاب الدينية، وتشكيل معسكر علماني لليمين القومي.

لكل خيار من هذه الخيارات فواتير وضرائب سياسية ينبغي تسديدها، ولا تقبل التأجيل. وبالقدر نفسه ينطوي كل منها على نتائج حاسمة على مستقبل نتانياهو بالمعنى الشخصي والسياسي. ففي انتظاره إجراءات قضائية، بعد الانتخابات، وإذا أُدين بالفساد سيضطر للاستقالة حتى لو تمكّن من تشكيل الحكومة، وقد يجد بعض الطامحين، والمنافسين، في الليكود، أن نتانياهو أصبح عبئاً على الحزب، وأصبح من الضروري التخلّص منه.

الخلاصة أن موازين القوى، المدعومة باستطلاعات الرأي، تدل على وجود أكثر من مأزق، وأن العقدة في كل هذا المأزق أصبحت نتانياهو نفسه. والمفارقة أنه أكثر شعبية، حتى الآن، لدى جمهور الناخبين من منافسيه، ولكن بنية النظام الانتخابي الإسرائيلي، وقواعد اللعبة البرلمانية، لا تمنحه عشيّة الانتخابات سوى خيارات قليلة ومعلومة يبدو أحلاها مراً في افضل الأحوال.