أردوغان إلى جانب أوغلو وباباجان في إحدى جلسات العدالة والتنمية (أرشيف)
أردوغان إلى جانب أوغلو وباباجان في إحدى جلسات العدالة والتنمية (أرشيف)
الجمعة 23 أغسطس 2019 / 16:07

حزب باباجان.. وجهة جديدة للنخبة تهدد عرش أردوغان

24 - إعداد: ريتا دبابنه

يعيش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حالة من التوجس والقلق، منذ إعلان صديقه علي باباجان، العضو المؤسس في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، الاستقالة من الحزب الشهر الماضي.

ولم تكن هذه الضربة الأولى التي تلقاها أردوغان، حيث إنه منذ مطلع العام، تشهد تركيا موجة من التغييرات الجذرية في الداخل، بعد أن مضت فترة الانتخابات وكأنها عاصفة هزت عرش الرئيس، خلصت بخسارة مدوية لمقعده في رئاسة بلدية إسطنبول وأنقرة أمام المعارضة.


هزات عنيفة
ومنذ ذلك الحين، شهد حزب العدالة والتنمية الحاكم، هزات ارتدادية عنيفة جعلت هوة الخلاف تتسع وبدأت الانشقاقات للخروج إلى العلن، وكانت أولى بوادر هذا الانشقاق، استقالة نائب رئيس الوزراء التركي الأسبق، علي باباجان، وإعلانه الانفصال التام عن الحزب.

ويبدو أن باباجان، الذي سار على خطى وزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو، وأعلن استقالته من الحزب بعد أن كان أحد أهم المؤسسين فيه، يتطلع لرؤية جديدة يمكن من خلالها تدمير عرش أردوغان الذي سيطر على الساحة السياسية في تركيا على مدى 18 عاماً.

رؤية ديمقراطية
وكان السبب الرئيسي لقرار باباجان الانسحاب من حزب أردوغان السلطوي، عزمه تأسيس حزب جديد ينبع من رؤية ديمقراطية لمستقبل واعد بتغيير الوضع العام في تركيا، والعمل على حل الأزمات التي أنهكت شعبها ومواردها ومؤسساتها منذ سنوات، مشيراً إلى أن أهم مبادئه المشاركة في البرلمان لإيصال صوت الشعب ومتطلباته.


وأوضح باباجان، خلال مؤتمر صحافي في يوليو (تموز) المنصرم، أنه يسعى من خلال حزبه الجديد الذي سيكون بشراكة مع الرئيس التركي السابق عبد الله غل، للوصول إلى أعلى المستويات في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة والحريات.

تأييد واسع
ونالت خطوت باباجان تأييدا واسعا من سياسيين واقتصاديين، وشخصيات بارزة من الوسط التركي، حيث أكدت الكاتبة الصحافية موجغان خالص، في تقرير لصحيفة "أحوال تركية"، أن عدداً من الأكاديميين بدأوا في العمل على دراسات حول سياسات حزب العدالة والتنمية والأحزاب السياسية الأخرى، والتي ستوفر بيانات مهمة لتشكيل الخط السياسي للحزب الجديد.

وتقول الشخصيات البارزة، بحسب خالص، إنها "تشعر بمسؤولية إزاء تحسين حياة المواطنين الأتراك. وبعضهم حلفاء سابقون للرئيس رجب طيب أردوغان ويعتقدون أن الجمهور لا يعلم عن اعتراضاتهم الداخلية على سياسات حزب العدالة والتنمية. إنهم يشعرون بأن حزب العدالة والتنمية، الذي احتفل بذكرى مرور 18 عاماً على تأسيسه، تخلف عن المبادئ التي وحدت مؤيديه بعد تأسيس الحزب في عام 2001".


دور الأكراد
ولم يغب الأكراد عن هذه التطورات، حيث أشار تقرير "أحوال تركية"، إلى أنه "من المتوقع أن ينضم إلى الحزب الجديد عدد من الشخصيات التي قادت جهود حزب العدالة والتنمية لحل القضية الكردية. لهذا السبب وحده، قام الأكراد بمراقبة الخطوات التي اتخذها باباجان وأصدقاؤه عن كثب".

وعلى الرغم من أنه من غير المحتمل أن يكون الحزب الجديد قادراً على سرقة الأصوات من حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، إلا أنه سيكون لديه بالتأكيد القدرة على جذب الناخبين من حزب العدالة والتنمية في المدن التي يغلب على سكانها الأكراد، بالنظر إلى مشاكل المنطقة.

غصب أردوغان
وعلى إثر ذلك، ضج الرأي العام في تركيا خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد خروج أردوغان عن صمته بتصريحات تنم عن غضب شديد، حيث قال تعقيباً على إعلان باباجان استقالته، إن "باباجان تنكر للقضايا الإسلامية، واصطف إلى جانب الأعداء".

وقالت مصادر سياسية تركية لصحيفة "العرب" اللندنية، إن أردوغان لن يغفر لباباجان والملتفين حول انفصاله وتأسيس حزب جديد، ويستعد لوصمهم بالخيانة.


ومصادر أخرى مؤيدة للحكومة، أكدت أن أردوغان لن يتردد بوصف كل المنشقين عنه بمن فيهم الرئيس التركي السابق عبدالله غول بالخونة في اجتماعات تعقد بأعلى مستوى في البلاد.

تباشير الخير
من جهته، لفت الكاتب والصحافي التركي فهمي كورو، في تقرير لصحيفة "زمان" التركية، إلى أن الأيام القادمة ستشهد مزيداً من الحديث حول الخطوات الملموسة لمبادرة علي باباجان، مشيراً إلى أن استطلاعات الرأي العام تكشف أن الشعب التركي لديه توقع بظهور حزب جديد، ويرى ذلك ضرورة.

وأكد كورو أن "أردوغان إذا لم يستطع إخراج حزب بديل من داخل حزبه قادر على تلبية توقعات ومطالب الشعب فإن تركيا قد تواجه تطورات مشابهة لما حدث في إيطاليا حيث أسس أحد المهرجين حزباً ليكون ملتقى المعترضين على النظام السياسي، وحصل الحزب على ربع أصوات الناخبين، ثم أصبح شريك الحكومة أو أوكرانيا حيث حمل شعبها حمل شخصاً كان يقدم برنامجاً كوميدياً على الشاشة الفضية إلى كرسي الرئاسة".



وقال الصحافي التركي المخضرم: "يرى الجميع أن السياسة الراهنة والخطاب السياسي والكوادر السياسية في تركيا عاجزة عن تطوير حلول لمشاكل بلادنا العملاقة، بل تضيف مشاكل جديدة إلى قائمة مشاكلها، نظراً لأن البقاء في السلطة بات همّها الوحيد".

أردوغان.. الخاسر الأكبر
ومع بلوغ التضخم في تركيا أعلى نسبه بنحو 15.7% والانكماش 2.6% في الربع الأول من العام الجاري، إلى جانب البطالة التي ارتفعت إلى نحو 14% بل هناك تقارير تحدثت عن ارتفاعها لنسبة تصل إلى 20%، ناهيك عن انهيار الليرة وسياسات أردوغان الخارجية المدمرة، يرى الكثير من الأتراك أن باباجان هو الرجل القادر على إيجاد الحلول المناسبة، ويعتبرونه البديل الأنسب لأردوغان الذي تنتهي ولايته الحالية في 2023.



وبالتالي، من الممكن أن يشهد حزب أردوغان مزيداً من الانشقاقات والانسحابات، وبالأخص من قبل أولئك الذين يريدون المضي قدماً على خطى باباجان وأوغلو، إما بالانضمام إلى الأحزاب المولودة من رحم "العدالة والتنمية"، والتي ستكون مؤيدة للديمقراطية والحرية، أو عن طريق إنشاء أحزاب جديدة بنفس المعايير، وفي كلتا الحالتين، سيكون أردوغان وأحلامه بالخلافة العثمانية، الخاسر الأكبر.