رئيسا الوزراء الإسرائيليان الأسبق إيهود أولمرت والحالي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
رئيسا الوزراء الإسرائيليان الأسبق إيهود أولمرت والحالي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الأحد 25 أغسطس 2019 / 20:15

معنى ودلالة إعادة الاعتبار في "ضربة الشبح"..!!

من غير المتوقّع أن يؤثر كتاب كهذا، وخاصة أن توقيت نشره يسبق موعد الانتخابات الإسرائيلية، على جمهور الناخبين بطريقة حاسمة، إلا أنه يختزل تحفّظات نخب عسكرية وسياسية وأمنية في إسرائيل على شخصية نتانياهو

 ذكرنا في مراجعة سبقت لكتاب يعقوب كاتس "ضربة الشبح: من داخل مهمة إسرائيل السرية للقضاء على قوة سوريا النووية" الصادر في مايو (أيار) الماضي، أن ما جاء في الكتاب يمثل محاولة لإعادة الاعتبار لإيهود أولمرت، الذي اتخذ بصفته رئيساً للوزراء في 2009 قرار تدمير مشروع المفاعل النووي السوري في محافظة دير الزور، ولم يتزحزح عن هذا القرار منذ اكتشاف أمر المفاعل، وحتى لحظة تدميره، بغارة جوية، بعد ثلاثة أشهر.

من المعروف أن أولمرت اضطر للاستقالة من منصبه بعد الضربة الجوية بقليل، وأن إسرائيل لم تُعلن مسؤوليتها عن الضربة، وأن محكمة إسرائيلية قضت في وقت لاحق بسجن أولمرت ستة أعوام بتهمة الفساد وإساءة استغلال السلطة خلال عمله رئيساً لبلدية القدس.

ويستعرض كاتس، في هذا الصدد، مشاورات أولمرت مع الساسة والمسؤولين الأمنيين والعسكريين في حكومته، وكذلك نقاشه مع المسؤولين الأمريكيين، ويركز بشكل خاص، من خلال تفاصيل كثيرة، على صرامة موقفه، وترفعه عن المصلحة الشخصية بالمعنى السياسي، والإصرار على الخيار العسكري، وعلى رفض إعلان الغارة الجوية، خلافاً لمناحيم بيغن بعد الغارة على المفاعل النووي العراقي في 1981.

كان من شأن إعلان تدمير مشروع المفاعل النووي السوري من جانب أولمرت تعزيز شعبيته، والتخفيف من مشاكله مع القضاء، ومنحه مساحة أكبر للمناورة السياسية في إسرائيل، ولكنه أصر على كتم خبر الغارة، ومجابهة مشاكله مع القضاء.

والمفارقة أن نتانياهو، الذي كان في المعارضة يومها، ولم يكن صاحب دور حاسم في قرار الضربة، سارع بعد وقوعها بوقت قصير إلى كشفها، وبالغ في تضخيم ما كان له من دور في مشاورات داخلية، سبقتها.

ولا ينبغي التعامل مع محاولة لإعادة الاعتبار في كتاب كهذا كمجرد تصويب لواقعة تاريخية، بل رؤيتها في سياق الواقع الإسرائيلي الراهن، في ظل مشاكل رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو مع القضاء، ومناوراته السياسية مع خصومه وشركائه، وطريقته في مجابهة المشروع النووي الإيراني.

وكل ما فيها، وبقدر ما يتعلق الأمر بنتانياهو، يدل على دمج المذكور للمصلحتين الشخصية والعامة، وتحويل إسرائيل نفسها إلى رهينة لطموحاته السياسية من ناحية، ومحاولة الإفلات من الملاحقة القضائية من ناحية ثانية.

ثمة إشارات كثيرة وردت في الكتاب توحي بأن فترة العمل عليه، وإعداد مادته الأساسية، والشروع في كتابته، ترافقت في ظل، ومع، التوصل إلى اتفاق مع إيران على مشروعها النووي، في عهد إدارة الرئيس الأميركي أوباما، وكذلك مع تحقيقات وقرار الشرطة الإسرائيلية تحويل ثلاثة ملفات تتعلّق بنتانياهو إلى مكتب المدعي العام، تمهيداً لتقديمه إلى القضاء بتهم الفساد، والرشوة.

وفي سياق كهذا تتجلى محاولة إعادة الاعتبار للتمييز بين شخصيتي أولمرت ونتانياهو بوصف الأول المسؤول عن الضربة التي أنهت المشروع النووي السوري، ولكن دون ضجيج، ومع الترفع عن المصلحة الشخصية، وبوصف الثاني رجل علاقات عامة وكثير الضجيج لا يُميز بين المصلحتين الشخصية والعامة، وهو المسؤول، أيضاً، عن تحويل الخيار "الدبلوماسي" الذي رفضه أولمرت في الحالة السورية، إلى العنوان الأبرز في الحالة الإيرانية.

وهذا الموقف يعكس، في الواقع، الكثير من تحفظات ساسة وعسكريين في إسرائيل على طريقة نتانياهو في مجابهة المشروع النووي الإيراني.

وإذا كان من غير المتوقع أن يؤثر كتاب كهذا، خاصةً أن توقيت نشره يسبق موعد الانتخابات الإسرائيلية، على جمهور الناخبين بطريقة حاسمة، إلا أنه يختزل تحفظات نخب عسكرية، وسياسية، وأمنية في إسرائيل على شخصية نتانياهو.

ولا يبدو من قبيل المصادفة، في سياق كهذا، أن تحالف أبيض أزرق، الذي يمثل الخصم الرئيس لنتانياهو في الساحة السياسية، يضم عدداً من الرؤساء السابقين لهيئة الأركان، إضافةً إلى باراك، الذي تقلد مناصب سياسية وعسكرية مختلفة، وشكل حزباً جديداً التحق بالتحالف المذكور.

بمعنى أكثر مباشرة، يبدو كتاب كاتس، للوهلة الأولى، وكأنه محاولة لتوثيق حادثة تاريخية، وتصويب ما شاع بشأنها في وسائل الإعلام من مغالطات وأوهام. وهذا صحيح في جوانب كثيرة، ولكنه يندرج، أيضاً، في سجال مفتوح في مشهد سياسي، في إسرائيل، بدأت نخبه تضيق ذرعاً بنتانياهو.