رسم لجبران خليل جبران (أرشيف)
رسم لجبران خليل جبران (أرشيف)
الأحد 25 أغسطس 2019 / 20:27

الثائر على اللغة باللغة

شهيرة هي مقالة جبران خليل جبران "لكم لغتكم ولي لغتي". ولست أدري أكتبها قبل مقالته الأشهر "لكم لبنانكم ولي لبناني" أم بعدها؟ لكني أعجب أن لبنان بتنوعاته، وتناقضاته، وأطيافه حزبياً، ودينياً، وعرقياً، وطائفياً وافقه في رؤاه عن لبنان.

مطالبة جبران بتبسيط أو تسهيل اللغة العربية أمر مر دون تجاوب حقيقي، ودون إجراء فعلي، نظراً لأن الجميع نظر إلى هذه الدعوة باعتبارها نصاً أدبيا قرئ للمتعة

وبات الجميع يحلم منذ أكثر من ثمانية عقود بلبنان جبران. أما لغة جبران التي كان ينشدها في مقاله الآخر، فقد كانت، وللعجب مثار خلاف.

أشهر من كتب عنها منتقداً مصطفى صادق الرافعي، وهو الذي يضعه البعض في مقام عميد الأدب العربي، بل ويفضلونه على طه حسين.

كتب الرافعي منتقداً جبران "فمتى كنت، يا فتى صاحب اللغة وواضعها، ومنزل أصولها، ومخرج فروعها، وضابط قواعدها، ومطلق شواذها.. إنه لأهون عليك أن تولد ولادةً جديدةً من أن تلد مذهباً جديداً أو تبدع لغة تسميها لغتك.. وإن ما تحدثه على خطأ لا يبقى على أنه صواب ولن يبقى أبداً إلا كما تبقى العلة فلا يُقاس عليه أمر الصحيح...".

 لقد استكبر الرافعي على جبران أن ينسب اللغة العظيمة إلى نفسه. لكني أفهم الأمر بأنه ليس تملكاً وإنما انتساباً. كما تقول دولتي، ومجتمعي. انتساب لا يخلو من الفخر.

 لغة جبران، أو بمعنى أدق، اللغة التي يطالب بها جبران، هي اللغة التي تسمح للغة العربية بالعودة إلى الواقع حيةً في الأفواه، طيعة على الألسنة، عذبة على الآذان. وهي مطلبنا جميعاً.

يقول جبران: "يكتب بعضنا لمن ماتوا، ولا يدري أن قرّاءه في المقابر. ويكتب بعضنا لإرضاء معاصريه، حاسباً أن في ذلك العظمة والخلود فيُخطئ المرمى. ويكتب بعضنا لأنه إنْ لمْ يكتبْ يمتْ، وهذا من الخالدين".

مطالبة جبران بتبسيط أو تسهيل اللغة العربية، أمر مر دون تجاوب حقيقي، ودون إجراء فعلي، نظراً لأن الجميع نظر إلى هذه الدعوة باعتبارها نصاً أدبيا قُرئ للمتعة، ودُرّس في المدارس لاستخراج فنياته، ثم لتحليل منطلقاته، ثم صُنف بأنه أدب مهجر.

لو قُدر لهذا النص أن يعالج في إطار التخطيط اللغوي ويكون جزءاً من السياسة اللغوية لكن الأمر مختلفاً. ولكان وضع اللغة اليوم مختلفًا.

ثار جبران لغوياً وهو يمتلك مؤهلات الثورة، لكن المقومات لم تكن مكتملة، فكان مقاله صرخةً في وادٍ.