حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان في مصر (أرشيف)
حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان في مصر (أرشيف)
السبت 31 أغسطس 2019 / 21:12

بين المرشد والأمير.. نمط القيادة لدى الإسلام السياسي

لم يلتزم حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان ومرشدها الأول باللقب الذي ساد في تاريخ الإسلام للبارزين في مجال الدين وهو "شيخ" أو "عالم"، أو حتى "حجة الإسلام" كما لُقِّب الغزالي، و"شيخ الإسلام" كما أطلق على ابن تيمية، إنما اتخذ لنفسه لقباً جديداً هو "المرشد".

سيقول قائل إن البنا لم يختر لقب شيخ، لأنه لم يكن أزهرياً يحوز "العالمية" وهي الشهادة الأزهرية الأرقى وقت إطلاق البنا جماعته في 1928، ولم يكن حجة ولا شيخاً للإسلام، إنما زعيماً سياسياً تحدث في البداية عن "الدعوة" فلما اشتد ساعده راح يتحدث عن "الدولة؟"

لكن الرد المبدئي على هذا القول إن لقب مرشد يحمل دلالات عديدة تزيد على مستوى أنه البارز والمتقدم إلى كونه من يرشد الناس إلى الطريق المستقيم، وأنه صاحب دعوة، بل رسالة، حسبما قال البنا نفسه ذات يوم حين وصف رسالة محمد عليه الصلاة والسلام بأنها الرسالة السابقة، ما يعني أنه ادعى ضمناً أن ما كان يطرحه هو رسالة جديدة.

المرشد هو الشخص الأبرز الذي يقع على رأس جماعة الإخوان، ويمثل لها رمزية خاصة، لذا تحاول أن تضفي عليه من الصفات ما يجعله يبدو في نظر أتباع الجماعة، بل في عين المجتمع بوجه عام، باعتباره الرجل الولي التقي النقي، المتصل بالله، والمكتمل إنسانياً، والمتفرغ لمهمته حيث أن الجماعة تتحمل نفقات المرشد العام وفق اللائحة المالية الخاصة بالمتفرغين.

والمرشد هو المسؤول الأول للجماعة، ويرأس مكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام، ويقوم بمهام الإشراف على كل إدارات الجماعة، وتوجيهها، ومراقبة القائمين على التنفيذ، ومحاسبتهم على كل تقصير وفق نظام الإخوان، وهو كذلك ممثل الجماعة في كل الشؤون، والمتحدث الأول باسمها، وله حق تكليف من يراه من الإخوان للقيام بمهام يحدد نطاقها له، ومن سلطته دعوة المراقبين العامين الذي يعتلون فروع الإخوان في البلدان الأخرى للاجتماع عند الحاجة.

وتشترط لائحة الجماعة فيمن يتولى منصب المرشد ألا يقل عمره عن أربعين سنةً هلالية، وأن يكون قد مضى على انتظامه أخاً عاملاً مدةً لا تقل عن خمس عشرة سنةً.

لا يعني هذا بالضرورة أن المرشد يكون في كل الأحوال هو الممكن إدارياً في الجماعة. فحين يكون ضعيف الشخصية أو غير ممتلك لمهارة التحكم والإدارة، يؤول مثل هذا الأمر إلى شخص دونه، يكون في أغلب الأحوال نائبه، مثلما رأينا مع المرشد الأخير للجماعة محمد بديع الذي كان أتباع الجماعة يدركون جيداً أن ليس الرجل الأول من الناحية العملية أو الواقعية، إنما نائبه خيرت الشاطر، الذي كان يتحكم في المال والتخطيط، ونائبه الآخر محمود عزت الذي آلت إليه المسائل التنظيمية.

وهناك من يرى أن من حق الإخوان، مثلما تفعل الجماعات غير الدينية، أن يضفوا طابع الكمال العلمي والعملي على مرشدهم، لكن النظرة الدقيقة تبين أن ما لدى الإخوان في تقديس قادتهم أو رفعهم إلى مرتبة فوق البشر، مختلف عما يمكن أن يجري في الجماعات والتنظيمات ذات الأيديولوجيات المدنية يسارية كانت أم يمينية، لأن الإخوان في هذا أخطر مِن سواهم، فالمعرفة والعلم كما يزعمون هي "إلهام رباني" يلقى في رأس المرشد وخاطره، فهو إذا تكلم يشبه الأنبياء والأولياء، في صحة الكلام وتنزهه عن الهوى.

ولعل الاحتفال الذي أقامته الجماعة في تركيا بالذكري التسعين لتأسيسها، يبين، أنه رغم ما جرى للجماعة من أحداث جسام كانت كفيلة بأن تراجع أفكارها، وتعالج مواقفها، فإنها لم تبرح مكانها بعد، خاصةً في نظرتها إلى المرشد بشكل عام، وإلى مؤسسها ومرشدها الأول على وجه الخصوص.

فالكلمات التي ألقاها إخوان جاءوا من كل مكان، تثبت كيف أنهم يقدسون حسن البنا، فهو نظرهم الملاك الطاهر، المتجرد، ناكر ذاته في سبيل الدعوة، وهو المجدد، وأمل الأمة الإسلامية.

ويرسم الإخوان صورة للبنا تظهر أنه "رجل الشرق العظيم"، في كذبة نسبوها إلى سيد قطب، حين ربطوا بين اغتيال البنا، وبين تحول قطب من الناقد، والشاعر، والروائي المتحرر إلى الكاتب الإسلامي ثم منظر الإخوان، وكيف أنه رأى أثناء ابتعاثه إلى الولايات المتحدة حفلاً صاخباً بمناسبة مقتل البنا، وأن أحدهم قال له: "نحتفل لأن اليوم قد مات أخطر رجل على الغرب"، مع أن دور البنا قد رسمته له بريطانيا، كما برهنت على هذا وثائق بريطانية أفرج عنها أخيراً.

أغتيل البنا في فبراير 1949، وهو خارج من مبني جمعية الشبان المسلمين، تاركاً هذه الصورة المصنوعة على حالها، وتقوم الجماعة بإضفائها على كل من يتولى منصب المرشد، رغم اختلاف السمات والقسمات بينهم جميعا، محاولةً أن تصنع رمزاً يلتف حوله الأتباع، بعد أن تنسج عنه المبالغات، وتنسب إليه الكرامات، وتفتح كل المسارات والفجاج التي تجعل الأتباع منجذبين إليه، حتى لو أخذ عند جماعات أخرى متطرفة اسماً آخر وهو "الأمير".