مقاتلون من وحدات حماية الشعب الكردية.(أرشيف)
مقاتلون من وحدات حماية الشعب الكردية.(أرشيف)
الثلاثاء 3 سبتمبر 2019 / 19:03

من النافذة السورية

يهدد دوران دول الوجود الكردي حول إنكار الأزمات الناجمة عن تجاهل الحقوق القومية للكرد بمزيد من التعقيدات

قد تتيح التحولات السياسية التي مر بها العالم والمنطقة منذ الحرب العالمية الثانية التعامل مع الكرد باعتبارهم كائنات غير مرئية وفي كثير من الأحيان تضخم الأوهام بامكانية استثنائهم من أي ترتيبات مستقبلية لكنها لا تستطيع بأي حال من الأحوال إلغاء وجودهم أو الحد من حيويتهم وخزين تطلعاتهم القومية وقدرتهم على العودة الى المشهد رغم محاولات الإقصاء وجفاء المحيط.

أطلت هذه الحقيقة مجدداً من نافذة الكرد السوريين مع تسارع الخطوات التركية لتنفيذ المنطقة الآمنة في الشمال السوري وتطوع بقايا المعارضة السورية لتوفير غطاء سياسي قد لا يكون ضرورياً مع المتغيرات التي لحقت بالأزمة السورية خلال العامين الأخيرين.

من ناحيتهم يغيّب الأتراك تفاصيل وتعقيدات الصراع مع الكرد بمحاولتهم القفز أمام ما يعتبرونه خطراً على وحدتهم وتطلعاتهم الإقليمية وانسياقهم وراء حلم خلق واقع ديموغرافي مختلف في المنطقة الحدودية السورية بذريعة تأمين حدودهم الجنوبية من هجمات محتملة.

في سبيل إنجاح هذه الخطوة اضطرت أنقرة للتراجع عن بعض تكتيكاتها المتعلقة بورقة اللاجئين السوريين وقامت بتكييف طموحات تضخمت وتمددت في الفراغات والهوامش التي أتاحتها السنوات الأولى من الأزمة السورية واستثمر حزب العدالة والتنمية المناخات في تصفية حسابات داخلية أبرزها الاطاحة بثلاثة رؤساء بلديات لديهم رؤى مختلفة للقضية الكردية.

ومثلما كان عليه الحال في قضية اللاجئين السوريين الجارية ملاحقتهم في تركيا لم تخل التطورات التي طرأت على ترتيبات المنطقة الآمنة من باحثين عن دور هامشي يتيح البقاء في ما تبقى من واجهة سياسية للمعارضة السورية.

دلالات تصريحات رئيس وفد المعارضة السابق الى مؤتمر جنيف أسعد الزعبي كانت أكثر بؤساً من أوهام الأدوار أو التوظيفات التركية المحتملة لبقايا "ثورة" ساهم تعدد استخداماتها في تراكم اخفاقاتها. فقد استحضر ممارسات نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الدموية بحق الكرد ـ بأعتبارها نموذجاً يحتذى به لإرهاب المكون الكردي ـ ليسقط بذلك مبدأ رفض فعل القمع وتصفية الخصوم رغم أنه الأساس الذي استند إليه منطق معارضة نظام الرئيس الأسد.
انسياق الزعبي وراء الرغبات التركية أدى إلى استخدام خطاب استعلائي على المكون الكردي بين مفرداته تشبيه الكرد بالحيوانات الأمر الذي يفوق بشاعة أوصاف أطلقها نظام البعث في سوريا على خصومه في المشهد السياسي الكردي.

جوهر تصريحات المسؤول السوري المعارض والسياق الذي جاءت فيه يعبران عن تصورات نظم بلدان تواجد الكرد لحل القضية المستعصية والتي تقوم على الإخضاع وعدم الاعتراف بالحقوق القومية الأمر الذي يقود إى ترسيخ القناعة بعجز خيال المعارضات عن تقديم رؤى وحلول بديلة تلبي الحد الأدنى من مطالب المكون الكردي وتسهل الخروج من حالة الاستنزاف.

تندرج في هذا السياق مواقف معارضات تركية وإيرانية عاجزة عن تجاوز نزعات قومية تؤججها مواقف أنقرة وطهران مما يحد من احتمالات البحث عن حلول للأزمة المستعصية بعيداً عن ذهنيات تفتقر للخيال السياسي.

يهدد دوران دول الوجود الكردي حول إنكار الأزمات الناجمة عن تجاهل الحقوق القومية للكرد بمزيد من التعقيدات وبدلاً من المساهمة في توفير الحلول وتقديم طروحات مختلفة تساهم في الخروج من دوامة الصراع تنزلق معارضات تلك الدول وراء منطق التأزيم مما يوفر مناخات استثنائية لاعادة انتاج القضية والدخول في متاهات جديدة.