الشابة الفلسطينية إسراء غريب (أرشيف)
الشابة الفلسطينية إسراء غريب (أرشيف)
الجمعة 6 سبتمبر 2019 / 21:08

إسراء غريب في إسرائيل!

لطالما اطلّع الكيان الصهيوني على معاناة مواطناته العربيات بجميع تفاصيلها القبيحة، ولكنه اختار أن يغض عنها الطرف

إن تخاذل وتباطؤ السلطات الفلسطينية في التحرّك ضد قتلة الشهيدة إسراء غريب دفع الكثيرين إلى التساؤل بسوء نيةٍ واضحةٍ، ونفسٍ متصهينٍ لم يعد يخفى عفنه، "ماذا لو كانت إسراء غريب في إسرائيل؟".

ولأني لا أجيد حياكة نظريات المؤامرة، ولفها من حول رأسي لتحجب عن عيني الحقائق المزعجة، فأنا لا أنكر مطلقاً أن قوانيننا المتساهلة مع قتلة النساء، وعاداتنا وتقاليدنا الموغلة في الذكورية، ومفاهمينا المختّلة للشرف، هي التي مهدت لطرح مثل هذا السؤال، وعقد مثل هذه المقارنات مع الكيان الصهيوني.

ولكني لن ألوّح بمبدئي الثابت في رفضي للاحتلال حتى لو كانت إسرائيل جنةً نسويةً تبلغ مساحتها 20 ألف كيلومتر مربع. ذلك مضجر!

بل دعوني أنحدر إلى الحضيض الذي ينعب منه دعاة التصهين لأحدثهم باللغة التي يفهمونها.
إن الأرقام لا تكذب، وقد كشفت إحصائيات العنف الأسري في إسرائيل منذ سنواتٍ طوالٍ أن العرب الذين يشكّلون 20% من مواطني الكيان الصهيوني لهم اليد الطولى –حرفياً- في ممارسته. فمنذ عام 2000، ندر أن ينخفض رقم القتيلات سنوياً من ضحايا العنف الأسري في إسرائيل عن 20 امرأةً، يكون نصفهن، أو أكثر بقليلٍ، من العربيات.

وإن احصائيات الكنيست أيضاً ألقت الضوء على تعرّض واحدة من كل 4 نساءٍ عربياتٍ في الكيان إلى العنف اللفظي أو الجسدي.
وبينما يتخيّل دعاة التصهين أن هذه الأرقام قد أرّقت إسرائيل الإنسانية الرحيمة، فإن الكيان حافظ أمامها على سجله المخزي عموماً في التعامل مع شكاوى العنف الأسري، إذ جرت العادة أن يكون مصير 70% منها هو التنازل عن الشكوى، كما لا تُوقع التهم الجنائية إلا بـ17% من المُعنّفين.

ولكن في حالات القتيلات العربيات تحديداً لجرائم العنف الأسري، فتفضح الأرقام تخاذلاً إسرائيلياً عظيماً، إذ لم يتم تحميل المسؤولية سوى لـ20% من الجناة، لتتمتع الأغلبية الساحقة منهن بحريةٍ يحسدها عليها أشد ميسوجينيّ الوطن العربي رفاهيةً!

ولن أستند فقط على تقارير صحيفة "ذا جيروزاليم بوست" التي تؤكد أن جميع قتيلات العنف الأسري العربيات كنّ معروفات لدى السلطات الإسرائيلية. سراء غريب

بل سأعود إلى تصريحات بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي اعترف بعد المظاهرات النسوية العارمة التي عمّت إسرائيل في 2018 بدرايته بأن هذه الجرائم "تمثّل ظاهرةً لدى الأقلية العربية، حيث تكون نسبة العنف الأسري أعلى بشكلٍ ملحوظٍ".

فكيف كانت ردة فعله أمام هذا الواقع الجلي؟

لأترك المزيد من الأرقام تتولى الإجابة، فهي تقول إن الكيان لا يوفّر سوى ملجأين لحماية الضحايا العربيات للعنف الأسري، فيما تُحرم شقيقاتهن من بدويات النقب من أي حمايةٍ مؤسساتية على الإطلاق.

إذاً لطالما اطلّع الكيان الصهيوني الشهم البطل على معاناة مواطناته العربيات بجميع تفاصيلها القبيحة، ولكنه اختار أن يغض عنها الطرف، لعله يذكّر عشاقه من المتصهينين الجدد بقيمتهم الفعلية بالنسبة إليه.