مدينة حسن كيف التركية على نهر دجلة (غارديان)
مدينة حسن كيف التركية على نهر دجلة (غارديان)
الجمعة 13 سبتمبر 2019 / 11:25

في تصرف بربري.. حكومة أردوغان تدمّر مدينة تاريخية لبناء سدّ

بعد نصف ساعة من القيادة من مدينة باطمان، تبدو مدينة حسن كيف التركية القديمة الواقعة على ضفتي نهر دجلة مثل واحة بالنسبة إلى الصحافية تيسا فوكس. يُعتقد أنّ المدينة هي واحدة من أقدم الأماكن التي سكنها البشر بشكل متواصل على الأرض. تعود المدينة إلى 12 ألف سنة خلت وتحتوي على آلاف المغاور والكنائس والمقابر.

لكن فوكس تتابع في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية أنّ جوهرة التاريخ الإنساني ستضيع قريباً تحت المياه بسبب مشروع سد إليسو المثير للجدل. بدأ العمل على بناء السد ومنشأة الطاقة الكهرومائية التابعة له منذ سنة 2006 وحسن كيف هي حالياً على بعد أسابيع من الدمار على الرغم من كفاح سكانها والناشطين البيئيين من أجل إنقاذها. لقد أعطت الحكومة التركية السكان حتى 8 أكتوبر (تشرين الأول) كي يخلوا المدينة.

تشريد عشرات الآلاف
برزت محاولة لتحدي المشروع من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بناء على كونه سينزل الضرر بالإرث الثقافي لكنه باء بالفشل. تم تصيم مشروع السد في الخمسنيات وقد غرق في الجدل لفترة طويلة. عند الانتهاء من بنائه، سيكون رابع أكبر سد في تركيا حيث من المتوقع أن ينتج 4200 غيغاوات من الكهرباء سنوياً لكن بكلفة ضخمة.

سيعني المخطط إغراق 199 مستوطنة في المنطقة وآلاف المغاور التي صنعها البشر ومئات المعالم التاريخية والدينية. يحذر الناشطون من أنّ المشروع سيشرد 80 ألف شخص. ويحذرون أيضاً من الضرر الرهيب الذي يلحق بالبيئة الطبيعية إذ سيعاني التنوع الحيوي مع تعرض العديد من الكائنات المهددة للخطر بسبب بناء السد.

الحكومة لا تحترم الموتى حتى
تروي فوكس كيف ينشط رضوان أيهان الذي أبصر النور في واحدة من مغاور المنطقة، في مبادرة "أبقوا حسن كيف على قيد الحياة" التي تأسست سنة 2006 لوقف المشروع. سائراً في الجانب الجبلي المواجه للبلدة، وصل أيهان إلى مغارة منقوش صليب عليها وتشير إلى وجود كنيسة قديمة. ويقول: "هي ليست فقط قصتنا. حسن كيف هي قصتكم أيضاً، لأنها قصة البشرية".

ليس معروفاً التاريخ الذي تعود إليه الكنيسة. فقط 10% من المساحة تم استكشافها من قبل علماء الآثار. وأضاف أيهان: "لقد طلبنا أن تكون المنطقة متحفاً في الهواء الطلق لكن الحكومة لم تقبل بذلك. إذا حفرتِ هنا فستجدين ثقافات متراكمة الواحدة فوق الأخرى". تحت الكنيسة مقبرة فيها عظام بشرية مكدسة. "الحكومة لا تحترم الموتى حتى. إنها بربرية".

تراث ثقافي غني

كانت حسن كيف جزءاً من ثقافات متعددة في تاريخها الطويل، بما فيها الإمبراطوريات العربية والبيزنطية وبلاد ما بين النهرين لكنّ بروفسور التاريخ في جامعة فلوريدا المركزية هاكان أوزوغلو قال إنّ استطيان البشر لهذه المدينة يسبق جميع هذه الحضارات. وقال: "لديناً إشارات إلى البلدة في العديد من النصوص القديمة بلغات مختلفة مثل الأشورية، الأرمنية، الكردية، العربية".

ويشرح البروفسور أنّ حسن كيف هي مختبر يمكن أن يوفر الكثير من الأجوبة عن الماضي: "هكذا دليل مادي نادر للماضي البشري يجب حمايته بأي كلفة". تم إنقاذ ثمانية معالم تاريخية فقط، من بينها برج قيل إنه لأقدم جامعة في العالم ونصف بوابة رومانية قديمة للمدينة. وتم نقل هذه القطع بعيداً بنحو 3 كيلومترات وهي تقبع في سهل واسع. وأوضح أيهان أن رؤية هذه القطع التاريخية هنالك "لا تشكل أي معنى بالنسبة إلينا".

الفرصة الأخيرة

مع تحديد الحكومة للموعد النهائي، أتى السكان من المناطق المحيطة عالمين أنّ هذه ستكون الفرصة الأخيرة لرؤية المعلم التاريخي. يزور المنطقة عدد قليل من السياح نظراً إلى عدم إمكانية الوصول إليها. قال أوزوغلو إنّ المنفعة من السد لا يمكن أن تقترب من المنفعة السياحية التي أمكن التسويق لها بشكل أفضل لو اقترن بها اسم اليونسكو: "لا أستطيع أن أرى الكثير من الأماكن الأخرى على الأرض التي تستحق (أكثر) أن تكون على لائحة مواقع اليونسكو المحمية".

حاولت جمعية إبقاء حسن كيف على قيد الحياة أن تضع المدينة على قائمة اليونسكو لكن من دون جدوى. أعلن أيهان أنّ "اليونسكو قالت إنّ على وزارة الثقافة أن تقدّم الطلب لذلك. لقد كتبنا إلى الوزارة إنما من دون جواب ... إنه واجبهم لكنهم لم يفعلوا أي شيء".

غير ديمقراطية

لم تعلق وزارة الثقافة على طلب الصحيفة الاستفسار عن الموضوع. تم الاتصال أيضاً بناطق باسم وزارة الطاقة والموارد المالية. وكان تعليقه الوحيد: "لماذا تريدون الحديث عن حسن كيف حين يكون لديكم الكثير من المشاريع الأخرى؟" وعرقل قمع السلطات التركية للمتظاهرين صراع سكان حسن كيف لإيقاف السد. في هذا الإطار، قال أيهان: "إذا تظاهرنا فسيأخذوننا إلى السجون. لا ديموقراطية هنا. لو كان هنالك ديموقراطية، لأمكننا ربما أن نفعل شيئاً". وأشار أيهان إلى أنه تعرض للتوقيف سنة 2012.

لا مساكن جديدة للجميع
بنت الحكومة "حسن كيف جديدة" لسبع مئة عائلة في مكان يبعد عن حسن كيف التاريخية ثلاثة كيلومترات لإعادة توطين السكان هناك قبل 8 أكتوبر. لكنّ أيوب أجلداي (27 عاماً) قال إنّه وزوجته لم يحصلا على عرض لمسكن جديد لهما، بما أنّ الحكومة قطعت برنامج المساعدات للذين تزوجوا بعد سنة 2014: "سيكون علي العيش مع أهلي مجدداً – العائلة بأكملها المؤلفة من عشرة أعضاء ستكون في منزل واحد".

أجلداي، كأسلافه، هو راعٍ ويعيش في واحدة من مغاور حسن كيف الكثيرة. لن يُسمح له بأن يأخذ حيواناته إلى القرية الجديدة لذلك بدأ يبيع خرافه. وقال أجلداي إنّ خُمس سكان المدينة غادروها إلى المنطقة الجديدة، مع حوالي خمس إلى ست عائلات تنتقل يومياً.

"سيبصقون على قبورنا"

على الضفة الأخرى من النهر، قالت هيديي تابكان (38 عاماً) الجالسة تحت ظلال الكرمة الوفيرة إنها لا تملك فكرة عن المكان الذي ستذهب إليه عائلتها وأطفالها الصغار الخمس ضمناً: "نحب مكاننا، نصنع خبزنا هنا، لدينا الكثير من العنب والتين اللذين نبيعهما أحياناً، أرضنا منتجة". ولم تقدم الحكومة مسكناً بديلاً لتابكان وعائلتها، حتى أنهم أجبروا على بيع أرضهم ب 154 دولاراً مقابل ألف متر مربع من أجل بناء القرية الجديدة.

في وقت ينتظر السكان غرق حسن كيف تحت النهر، يقولون إنهم سيستمرون برفع أصواتهم ونشر رسالة تاريخ المنطقة حتى بعد منع الدخول إليها الشهر المقبل. قال أيهان: "(إن لم نفعل ذلك)، فحين نموت، سيأتي أولادنا ويبصقون على قبورنا ويقولون، لماذا لم تنقذوا حسن كيف؟".