رئيس تونس الأسبق زين العابدين بن علي (أرشيف)
رئيس تونس الأسبق زين العابدين بن علي (أرشيف)
الجمعة 20 سبتمبر 2019 / 00:33

بن علي.. الرحيل الأخير لوريث البورقيبية

24. إعداد: شادية سرحان

أعلنت وزارة الخارجية التونسية، اليوم الخميس، وفاة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي الذي حكم تونس على مدى 23 عاماً، عندما ورث مؤسس الدولة التونسية، الحبيب بورقيبة، قبل أن يرحل إلى منفاه الأخير المملكة العربية السعودية التي لجأ إليها تاركاً البلاد في أعقاب انتفاضة شعبية طالبت برحيله، وألهمت شعوباً أخرى في المنطقة وأطاحت بأنظمة، فيما عرف بـ"الربيع العربي"، الذي كانت نتائجه كارثية، الشعوب العربية، بحسب العديد من المراقبين.

توفي زين العابدين بن علي عن عمر يناهز 83 عاماً، بعد صراع مع المرض، في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية والتي لجأ اليها يوم 14 يناير (كانون الثاني) 2011، تحت ضغط الشارع الذي ارتفعت فيه أصوات تطالبه بالرحيل، وكانت تلك "الثورة" انطلاقة لـ"ربيع عربي" لم ينجح فيه المسار الديموقراطي إلا في تونس.

وفيما يلي أبرز محطات حياة الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي:

عسكري محترف
ولد بن علي في 3 سبتمبر (أيلول) 1936 بمدينة حمام سوسة الساحلية، والتحق في 1958بصفوف الجيش التونسي حديث العهد حينها، تدرج في خدمته العسكرية، حيث بدأ مرافقاً برتبة جندي في بيت الجنرال علي الكافي بالجيش التونسي، وأبدى إخلاصاً أثار انتباه الجنرال فقربه منه، وزوجه ابنته نعيمة.

وتخرج من المدرسة العليا متعددة الأسلحة في سان سير ومدرسة المدفعية في شالون سور مارن والمدرسة العليا للبحوث والأمن بفرنسا.ونال الرئيس التونسي الأسبق على الدبلوم من المدرسة العسكرية في سان سير (École spéciale militaire de Saint-Cyr) ، ثم من مدرسة المدفعية في شالون سور مارن بفرنسا، وأرسله حماه الجنرال كافي بدورة إلى المدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن في بلتيمور بالولايات المتحدة، ومدرسة المدفعية الميدانية (تكساس، الولايات المتحدة).

وتولى بن علي في مشواره العسكري، رئاسة الاستخبارات العسكرية ما بين عامي 1964-1974، ومن ثم رئيس الأمن القومي ما بين 1977-1980. كما عمل سفيراً لتونس في العاصمة البولندية وارسو عام 1980 ورئيساً للوزراء عام 1987.



رئيس تونس
بعد أن أعلن 7 أطباء أن الرئيس الحبيب بورقيبة غير قادر على الحكم بسبب الخرف، انتهت حقبة بورقيبة وبدأ عهد بن علي، الذي طلق زوجته الأولى ابنة الجنرال الكافي، ليتزوج ليلى الطرابلسي، وأدى اليمين ليصبح رئيس تونس الجديد عام 1987.

ووعد بن علي في "بيان السابع من نوفمبر" الشهير الذي توجه به إلى الشعب "بإعطاء القانون حرمته" وبأن "يوفّر أسباب الديمقراطيّة المسؤولة" ويقطع مع "الظلم والقهر" و"استغلال النفوذ" و"التساهل في أموال المجموعة" الوطنية، ومع "الرئاسة مدى الحياة" التي أرساها بورقيبة.

ورحبت أوساط واسعة من التونسيين بتولي بن علي السلطة "من دون عنف وإراقة دماء"، وأشاد به أنصاره معتبرين أنه "منقذ" البلاد التي كانت على حافة الهاوية، معتبرين أنه وضع أسس اقتصاد ليبرالي وقضى على مخططات حزب "النهضة" الإسلامي الذي كان متهماً بالتخطيط لانقلاب مسلح.

والواقع أن بن علي أدخل التعددية بجرعات محسوبة إلى البرلمان في 1994، ونظمّ في 1999 أول انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ تونس، لكنها كانت "تعددية شكلية"، بحسب المعارضة التي نددت طوال العقد الأخير من حكم بن علي بانحراف النظام نحو "دولة بوليسية" تقمع الحريات الخاصة والعامة، وخصوصا حرية التجمّع والصحافة والتعبير.

وخلال رئاسته لتونس، فاز حزبه في كل الانتخابات التي خاضها بنسبة فاقت 90%. وأعيد انتخاب زين العابدين بن علي لولاية رابعة في ثاني انتخابات رئاسية متعددة عام 2004 ، وحصل على الدعم في استفتاء حول تعديلات للدستور، بما ضمن بقاءه لفترتي رئاسة أخرى.

وفي وسائل الإعلام كما في الشوارع، كانت صور بن علي بشعره الأسود والابتسامة التي لا تفارقه، بارزة باستمرار.



من مناضل إلى دكتاتور
وبحسب تقارير صحافية، تحول بن علي خلال فترة توليه الرئاسة من "مناضل إلى ديكتاتور"، وتم تصنيفه من قبل جماعات حقوق الإنسان الدولية ومنظمات مثل الإيكونومست النظام التونسي بالاستبدادي وغير الديمقراطي، كما انتقده بعضاً من تلك الجماعات مثل منظمة العفو الدولية وبيت الحرية والحماية الدولية المسؤولين التونسيين بعدم مراعاة المعايير الدولية للحقوق السياسية.

واستمر بن علي في حكمه، قبل أن يبدأ الاحتقان الاجتماعي في سنوات حكمه الأخير يتخذ منحى تصاعدياً حتى انفجر في شكل احتجاجات بدأت مطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، قبل أن تنتهي بهروب بن علي إلى الخارج، ودخول تونس مرحلة جديدة.

ثورة الياسمين
بدأت "ثورة الياسمين"، كما يسميها البعض، بتجمع عدد كبير من التونسيين أمام وزارة الداخلية وهم يرددون كلمة "إرحل"، وبنهاية يوم 14 يناير (كانون الثاني) اضطر الرئيس زين العابدين بن علي إلى مغادرة تونس متوجهاً إلى السعودية.

ويذكر إلى أن الجيش انسحب من وسط العاصمة تونس في 13 يناير (كانون الثاني) وترك مواقعه لقوات أمنية خاصة، إثر مواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومتظاهرين، لكنه استمر في الانتشار قرب منشآت عامة، فيما استهدفت أعمال حرق مرافق وممتلكات لأفراد من عائلة بن علي وزوجته في منطقة الحمامات السياحية جنوب تونس العاصمة، مما دفع بن علي لحل الحكومة ووعد بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة لكنه فشل في تهدئة الشارع.

وأدت التظاهرات التي انطلقت مع النار التي أشعلها بوعزيزي في جسده في النهاية إلى وضع حد لحكم بن علي الاستبدادي في يوم 14 من يناير(كانون الثاني) 2011.

ورغم أن البطالة وصلت في عهده بين أوساط الشبان المتعلمين إلى 14%، فقد اعتبرت جهات اقتصادية عدة أن الاقتصاد التونسي تطور في عهده.

ولم تستقر الأوضاع الاقتصادية والسياسية في تونس  كثيراً حتى الآن، إلا أن تجربتها في التحول الديمقراطي تعتبر الأنجح والأفضل نسبياً من بين تجارب "ربيع الثورات العربية".



أخر ظهور
ومنذ فراره مع عائلته إلى السعودية، لم يعرف الكثير عن أخباره، باستثناء بعض الصور العائلية التي نشرتها ابنته نسرين على حسابها على "إنستغرام".

وكان أخر ظهور لبن علي عبر صورة نشرها مغني الراب كادوريم عبر حسابه على إنستغرام. وجمعت الصورة المغني بعائلة خطيبته سيرين، ابنة بن علي وظهر في الصورة ممسكاً يد زوجته ليلى الطرابلسي. وبدت آثار التقدم في السن واضحة على وجه بن علي.

أما في تونس، فقد صدرت في حقه أحكام غيابية عدة بالسجن، بعد إدانته بتهم فساد والمشاركة في القتل بسبب قمع المتظاهرين.

ولا تزال حقبته محل جدل واسع، إذ تمتع بن علي بتأييد عدد كبير من التونسيين، فيما لقيت فترة حكمه انتقادات لاذعة من قبل أخرين، لكن ظل فرار بن علي أو مغادرته الاضطرارية للبلاد الحدث الأبرز في الثورة، والذي أخرج تونس من عنق الزجاجة وكتب مقدمة الانتقال الديمقراطي للبلد الذي صدر الثورة إلى عدد من البلدان العربية.