رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الخميس 26 سبتمبر 2019 / 20:59

نصائح في غير محلها

أوصت القائمة المشتركة الرئيس الإسرائيلي ريفلين بتكليف الجنرال الإسرائيلي بيني غانتس زعيم تحالف "ازرق أبيض" بتشكيل الوزارة في إسرائيل. عشرة أعضاء من أصل 13 حملوا التوصية بينما قاطع حزب التجمع الذي أسسه عزمي بشارة بأعضائه الثلاثة.

كثيرة هي النصائح والاتهامات والتحليلات التي انصبت على قرار القائمة، أو بتعبير أكثر دقة، قرارالأغلبية التي مثلها الأعضاء العشرة

كان ذلك أول اختبار للقائمة بعد الإنجاز المهم الذي حققته خلال الانتخابات الأخيرة، وبعد تجربة بائسة للقوائم العربية في الانتخابات السابقة، كان يمكن للتجمع تفادي إضعاف القائمة منذ اللحظة الأولى، في سياق العمل الوحدوي، واحترام رأي الأغلبية الذي أوصل ثلاثة من نوابه للكنيست، الالتزام بقرار الأغلبيه والتنويه بموقفه في نفس الوقت، خاصةً أن استطلاعاً أجرته القائمة في أوساط ناخبيها سبق التكليف، دعم هذا التوجه. 

كثيرة هي النصائح والاتهامات والتحليلات، التي انصبت على قرار القائمة، أو بتعبير أكثر دقة، قرارالأغلبية التي مثلها الأعضاء العشرة، لا مكان للإجماع في الائتلافات الطوعية، الأغلبية هي الحكم وهي الضامنة لوحدتها.

ذهب بعض هذه النصائح في شطحة إلى اتهام القائمة بالتخلي عن منظمة التحرير الفلسطينية، وبرنامجها الوطني، بينما اتهمها آخرون بتفضيل فاشي متنكر على فاشي مكشوف، هناك وجاهة في التوصيف وليس الاتهام، وكان هناك دائماً الاتهام المنجز بتخليها عن شعبها ومجتمعها.

اللافت أن هذا التكليف لم يكن أحد أسرار الحملة التي ركزت على إسقاط نتانياهو، وإنهاء حقبة اليمين المتطرف، كان واضحاً ومتوقعاً ومعلناً، إضافة إلى إلغاء "قانون كيمتس" وتحسين شروط الحياة والأمن في الوسط العربي، والعمل على إلغاء قانون القومية الفاشي.

آخرون، رأوا أن القائمة المشتركة قد انتقلت إلى مستوى آخر في فهمها لدورها وتعاملها مع "دولة إسرائيل" عبر توجهها نحو مغادرة الجلوس على الحائط التي تبدو مريحة وقليلة التكاليف، والذهاب أبعد في محاولة التأثير على القرار الإسرائيلي، رغم أنه يحمل ملامح المغامرة.

هذا الانتقال من مقعد المتفرج المحايد إلى محاولة التأثير، رغم صعوبة ذلك ومخاطره، هو الذي أيقظ النصائح والاتهامات والشكوك، التي على أصحابها الآن إعادة النظر في أشياء كثيرة، منها متابعة تحرك القائمة أبعد من المقعد الساكن الشهير الذي جلست عليه لعقود طويلة، ثمة استثناءات يمكن التذكير بها هنا، مثل دعم النواب العرب في الكنيست لحكومة اسحق رابين في مواجهة شامير، ولكن القاعدة كانت دائماً الجلوس والتأمل.

ولكن الجديد هنا يكمن في أمرين، إلغاء فكرة اتخاذ القرارات "بالاجماع"، والعمل على إنجاز المهمات "بالنقاط" لا البحث عن "ضربة قاضية" لا تتوفر الإمكانيات لتحقيقها.

أيمن عودة رئيس القائمة ذهب أبعد عبر فتح قناة مباشرة مع الجمهور العربي حول الأسئلة المطروحة بقوة، حيث بدا أنه يقدم تقريراً دورياً يتضمن قرارت القائمة وأسبابها، والآفاق المتوقعة، ثمة وضوح شديد هنا وشفافية مع الحاضنة الشعبية التي دعمته بنسبة 60%، هذا الخطاب أيضاً جزء من التغيير الذي شمل أداء القائمة ومنحها موقعاً أكثر قرباً من جمهورها، تداول المهمات أيضاً يبدو مقنعاً هنا حين يتولى د. أحمد الطيبي قيادة المفاوضات مع عوفر شيلح ممثل بيني غانتس.

يتأمل أصحاب النصائح وهم كُثرٌ، وينطلقون من مواقع تصل حد التناقض أحياناً، يتأملون قائمة من 13 نائباً، ينظرون إلى كيان سياسي وصل إلى الكنيست الإسرائيلي، وشكل الكتلة الثالثة كما لو أنه هبط من الفضاء وليس عبر قاعدة شعبية تراقب وقادرة على المحاسبة، بينما تنظر القائمة الى " قانون التخطيط والبناء الإسرائيلي" والتعديلات التي أضيفت اليه "قانون كيمنتس" والأحكام التي أضافتها وزيرة القضاء المتطرفة إيليت شاكيد، والذي يضع 50 ألف بيت فلسطيني تحت مطرقة الهدم. 

يمكن هنا إيراد أرقام مثل أن الغرامات التي تسبب فيها تنفيذ "قانون كيمنتس" للمواطنين العرب بلغت ما يقارب الخمسة ملايين دولار خلال تسعة أشهر، إضافة إلى هدم 1200 منزل في النقب وتشريد أهلها في 2015، وألف منزل في 2016، حسب معطيات الكنيست نفسه، هذه كارثة تتقدم بقوة وبدعم مطلق من المنظمات اليمينية المتطرفة، وينبغي التصدي لها سواءً على صعيد الشارع أو ممثليه.
  
ثمة الكثير من القضايا الحياتية التي تشغل الناس هناك إضافة إلى انتمائهم الوطني، انتشار العنف والجريمة والمخدرات، القرى غير المعترف بها، مشاكل التعليم، وغيرها. مهمات لم يعد بالامكان تأجيل دفعها نحو الضوء، مهمات ضرورية للنهوض بهذا المجتمع ليتمكن من التعبير بقوة وصلابة عن مشروعه الوطني، وهي تحديات لا يمكن الوفاء بها عبر الجلوس على الحائط، والحديث عن اللاجدوى.