غلاف كتاب "ستون عاماً من الخداع".(أرشيف)
غلاف كتاب "ستون عاماً من الخداع".(أرشيف)
الثلاثاء 1 أكتوبر 2019 / 19:15

فتح والإخوان

براغماتية الجماعة والحركة أتاحت لهما الاحتفاظ بعلاقة أقرب إلى التخادم في أكثر من مرحلة

حرك الحجر الذي ألقاه كتاب محمد دلبح "ستون عاماً من الخداع " مياهاً راكدة في تفكير فلسطيني يميل في العادة إلى نمطية قراءة مرحلة إعادة تشكل الحركة الوطنية الفلسطينية في نهايات خمسينيات القرن الماضي والعثرات التي وقعت فيها على مدى العقود اللاحقة.

يجد الكاتب في نبش التاريخ الأخواني لمؤسسي حركة فتح ركيزة لسبر أغوار مسار التحولات السياسية الذي بدأ بالكفاح المسلح وانتهى به المطاف إلى سلطة وطنية غير واضحة المعالم.

من خلال رصد يتسم بقدر كبير من الدقة وتحليل شهادات موثقة للجيل المؤسس يصل دلبح إلى أن العلاقة بقيت ملتبسة بين الجماعة الأم والتنظيم الفلسطيني الخارج من تحت عباءتها.

في أحد جوانب هذه العلاقة يشير إلى إخفاق جماعة الإخوان المسلمين التي كانت غارقة في صراعها مع الرئيس جمال عبدالناصر في تلبية تطلعات أعضائها الفلسطينيين ودفعهم إلى تفكير قطري أفقد قضية العرب الأولى بعدها القومي وعلى الجانب الآخر يتوقف عند إحراجات سببتها طروحات فتح للجماعة، لكن هذه التفاصيل لم تؤد الى إحداث قطيعة تامة بين الطرفين.

براغماتية الجماعة والحركة أتاحت لهما الاحتفاظ بعلاقة أقرب إلى التخادم في أكثر من مرحلة. فقد سارت فتح في اتجاه معاكس لتوجهات الفكر القومي واليساري الذي انتعش في ذلك الحين الأمر الذي حولها بشكل أو بآخر إلى مكمل للدور الإخواني، وفي المقابل اعتمدت على الإسلاميين في احداث حالة من التوازن مع اليساريين والقوميين الذين انخرطوا في صفوفها، وبذلك كانت النزعات الإخوانية في تفكير قادة فتح من بين أسباب الانقسامات التي تعرضت لها الحركة.

لا تخلو الشهادات التي يستند إليها الكتاب من إشارات واضحة إلى ارتياب طفا على سطح العلاقة بين الجماعة والحركة في بداياتها حيث رأت الأولى في الثانية مغامرة ولم يخف رموزها عدم ارتياحهم لياسر عرفات.

تكتمل صورة البدايات بالتقاء البراغماتية التي ورثها المؤسسون عن الجماعة الأم مع التكوين الكمبرادوري للنخبة الفلسطينية الجديدة وبحثها عن حيز جغرافي تمارس عليه سلطتها السياسية.

تتبع مسار التجربة يقود إلى عدة استنتاجات بينها أن القفزات المتلاحقة والمآلات التي انتهت إليها الحركة كانت نتاجاً للتعايش بين البراغماتية الموروثة عن الإخوان المسلمين وما تفرضه مصالح الطبقة التي لعبت دوراً في التمويل.

ما لم ينتبه إليه المؤلف في غمرة اندفاعه نحو تتبع مشاريع تسوية القضية الفلسطينية وقنوات الاتصال التي فتحتها قيادة فتح في وقت مبكر مع الولايات المتحدة واسرائيل أن البراغماتية التي ورثتها الحركة لم تنه الريبة بينها وبين حركة حماس التي احتفظت ببراغماتيتها وأبقت على علاقتها مع الجماعة الأمر الذي يحول عقدة نشوء الحركتين إلى مادة لبحث معيقات الوصول إلى وحدة وطنية باتت أقرب إلى المستحيل.

علاوة على خدشه واحداً من تابوهات ما يعرف بالبدايات يفتح الجدل الذي يثيره الكتاب في الأوساط الفلسطينية ـ بما في ذلك مراكز صنع قرار الفصائل ـ هامشاً للتدليل على أهمية أدوات التحليل العلمي في قراءة السياقات وإعادة محددات المسارات والعوامل المؤثرة في التفكير السياسي إلى ظروف النشأة والتكوين الفكري والاجتماعي والاقتصادي للفئات القيادية والابتعاد قدر المستطاع عن الإنشاء المضلل وتجاوز حاجز التردد على السطح إلى ما هو أعمق. ففي ظروف نشوء الظواهر وتحولاتها ما يساعد على استيعاب المراحل ويكشف عن شطط قراءات تكتفي بالقشور.