رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الأحد 6 أكتوبر 2019 / 20:46

انفتحت معركة القضاء.. ومأزق السياسة على حاله..!

الذهاب إلى انتخابات ثالثة في عام واحد يبدو كارثياً في نظر ما لا يحصى من الإسرائيليين، طالما أن الدورة الثالثة لن تُخرجهم من ورطة الدورتين السابقتين

توجه، اليوم (الأحد) فريق الدفاع عن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، المكوّن من عشرة محامين، إلى مكتب المدعي العام في القدس، لتقديم مرافعاتهم في القضية 1000. وكان هؤلاء قد قدّموا مرافعات مشابهة في القضية 4000 يومي الأربعاء والخميس الماضيين، ومن المُنتظر أن يقدّموا مرافعاتهم غداً (الاثنين) في القضية 2000، وبهذا تنتهي المرافعات التي يُراد منها إسقاط التهم عن موكّلهم، أو تخفيفها قبل بدء المحاكمة الرسمية.

الأرقام المذكورة هي عناوين الملفات الخاصة بنتانياهو في أروقة القضاء الإسرائيلي، وتتعلّق الأولى منها بتهمة تلقي هدايا، غير مُستحقة، تصل قيمتها إلى قرابة ثلاثمائة وخمسين ألف دولار من رجال أعمال مقابل الحصول على امتيازات. أما الثانية، التي تم الترافع بشأنها يومي الأربعاء والخميس، فتتعلّق بحصول نتانياهو وزوجته على تغطية إيجابية في الدوريات والمطبوعات الخاصة بشركة الاتصالات الإسرائيلية (بيزيك) مقابل تسهيلات. وتتمثل الثالثة في اتفاق مع جريدة يديعوت أحرونوت، وهي من أوسع الجرائد اليومية انتشاراً، على تغطية أخبار نتانياهو وزوجته بطريقة إيجابية مقابل الحد من توزيع جريدة إسرائيل هايوم التي توزّع مجاناً، وتعتبر المنافس الأكبر للجريدة المذكورة.

تُصنّف هذه التهم فرادى، ومُجتمعة، تحت عنوان: الخداع وخيانة الأمانة والرشوة. وفي حال الإدانة، تصل عقوبة الخداع وخيانة الأمانة إلى ثلاث سنوات في السجن، بينما تصل عقوبة الرشوة إلى عشر سنوات. وفي كل الأحوال، فإن إدانة نتانياهو بحكم من المحكمة، بعد استيفاء كل الطعون ذات الصلة، وبصرف النظر عن مدة السجن، وعن ثبوت هذه التهمة أو تلك، تعني نهاية حياته السياسية، وخروجه من المشهد السياسي مكللاً بالعار.

ومع ذلك، قد يطول الوقت قبل الوصول إلى نتيجة كهذه، فالمدعى العام لن يصدر قراره بشأن البدء بالمحاكمة الرسمية قبل نهاية العام الحالي، وقد تستغرق جلسات المحكمة قبل النطق بالحكم النهائي وقتاً طويلاً، وحتى في حال صدور الحكم بالإدانة، فإن استقالة نتانياهو لا تعتبر إلزامية، إلا بالمعنى الأخلاقي، كما أن الطعون ذات الصلة قد تستغرق وقتاً غير معلوم.

والواقع أن كل ما تقدّم، ومع كل ما يسمه من تعقيدات قانونية، يمثل في نظر نتانياهو نافذة للخلاص، حتى وإن كانت ظرفية، وغير مضمونة النتائج. فهو في كل الأحوال في سباق مع الزمن، حتى من أسبوع أو شهر إلى آخر، وخياراته تضيق، خاصة بعد نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة في أيلول (سبتمبر) الماضي.

لذا، يصعب وصف المشهد السياسي الإسرائيلي، في الوقت الحاضر، بعيداً عن كل ما تقدّم. فكل ما يتجلى فيه الآن يبدو مشروطاً بما يملك نتانياهو، أو يبتكر، من إمكانيات وأدوات المناورة، كما يتجلى، بالقدر نفسه، في محاولات خصومه ومعارضيه بلورة مناورات مضادة. وفي الأثناء، يعيش الإسرائيليون وضعاً غير مسبوق في التاريخ السياسي للدولة، ويلوح في الأفق احتمال الذهاب مرّة أخرى، وثالثة، إلى صناديق الاقتراع، في عام واحد.

فانتخابات أيلول (سبتمبر)، أبقت التوزان بين معسكري مؤيدي نتانياهو ومعارضيه على حاله، بمعنى أنها حرمته من الحصول على أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة يمينية، وأرغمته على قبول اقتراح رئيس الدولة بتشكيل حكومة ائتلافية مع تحالف أبيض ـ أزرق، ولم يكن في وسعه الرفض.

ولا يبدو من قبيل المجازفة، في هذا السياق، القول إن أكبر الفائزين في الانتخابات الأخيرة، أي تحالف أبيض ـ أزرق والليكود، حاولا التملّص من تكليف رئيس الدولة، فكلاهما لا يريد تحمّل العبء السياسي للفشل في تشكيل الحكومة.

وقد نجح تحالف أبيض ـ أزرق في هذا الشأن بعدما امتنع ثلاثة من أعضاء القائمة العربية المشتركة من التوصية بدعم بيني غانتس، رئيس التحالف المذكور. وبهذه الطريقة أصبح نتانياهو أوّل المرشحين. وفي الأيام القليلة الماضية ترددت أنباء كثيرة عن فشل مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية، ما يعني أن غانتس قد يصبح المرشّح التالي، مع التذكير بحقيقة أن حظوظه لا تبدو أفضل من نتانياهو.

والملاحظ أن نتانياهو، الذي ضيّقت نتائج الانتخابات الأخيرة خياراته السياسية إلى حد بعيد قد حصّن نفسه مرتين للبقاء طافياً فوق السطح. في الأولى، عندما حصل على تفويض من شركائه في معسكر اليمين بكونه مرشحهم وممثلهم الوحيد في مفاوضات تشكيل الحكومة، وفي الثانية، التي مازالت في طور التحقيق، في الدعوة لانتخابات تمهيدية لقيادة الليكود، للحيلولة دون الإطاحة به من جانب طامحين إلى خلافته. ومن نافلة القول التذكير بإدراكه لحقيقة أن في الأمرين ما يبدد احتمال الحكومة الائتلافية.

ويبقى السؤال: مِنْ هنا إلى أين؟
فالذهاب إلى انتخابات ثالثة في عام واحد يبدو كارثياً في نظر ما لا يحصى من الإسرائيليين، طالما أن الدورة الثالثة لن تُخرجهم من ورطة الدورتين السابقتين، بل ستعيد إنتاج المأزق نفسه في ظل استقطاب غير مسبوق.

وإذا كان من الصعب تفسير كل ما حدث، ويحدث، في المشهد السياسي الإسرائيلي بتأثير نتانياهو السياسي والأيديولوجي، فإن التقليل من شأن هذا التأثير، في كل تحليل مُحتمل، لن يمكن أحداً من فهم دلالة المأزق الراهن، الذي تزيد من حدته حقيقة أن غياب الخيط الفاصل بين المصلحتين الشخصية والعامة يزداد كلما ضاقت خياراته، وأن في أمر كهذا ما يبرر القول إن طريقة خروجه، أو إخراجه، من المشهد السياسي في إسرائيل، لن تكون بلا أصداء مُدوّية وتجليات درامية في كل الأحوال.