مسلحون موالون لتركيا في شمال سوريا (أرشيف)
مسلحون موالون لتركيا في شمال سوريا (أرشيف)
الخميس 10 أكتوبر 2019 / 19:50

الرجل الذي خذل الكوكب

تخلى دونالد ترمب عن حلفائه الأكراد وتركهم مكشوفين أمام أحد أقوى الجيوش في حلف الناتو والعالم، هذه هي البرقية التي تداولتها أطراف الصراعات في المنطقة، أما في الغرف المغلقة فالحديث يجري عن "خيانة".

لم يتوقف أردوغان عن جمع الأوراق والنقاط للتمهيد للحملة، ولكنه الآن بحاجة لانتصار يخفف من أزماته الكثيرة

لقد قام ببساطة وخلال فترة قياسية بتنحية جنوده عن الطريق التي ستسلكها الدبابات التركية المندفعة عبر الحدود، معتبراً أن التواجد في الشرق الأوسط هو أصل الأخطاء.

بعد أكثر من ثلاث سنوات مريرة ومكلفة من المواجهات مع داعش من "كوباني"عين العرب في محافظة حلب إلى الباغوز في ريف دير الزور، حيث انتهت، تقريباً، حقبة من حقب داعش، وتحولت المنطقة إلى معسكرات اعتقال ضمّت المئات من بواقي هذه الميليشيا المتوحشة، معظمهم من جنسيات أوروبية رفضت بلادهم استعادتهم، أعلن الرئيس الأمريكي، الحليف الرئيسي للمقاتلين الأكراد والمورد الرئيسي للمال والسلاح، أعلن، فيما يشبه الاهتداء إلى الحكمة، أنه لا يرغب في أن يكون طرفاً في أي صراع في الشرق الأوسط، بحيث منح هذا الخذلان إطاراً تاريخياً، ومحولاً التخلّي إلى استراتيجية، مذكراً بأن "الأتراك والكرد يقتلون بعضهم البعض منذ قرون" وأن لاجديد في هذه المذبحة التي ستحدث، مطلقاً في الوقت نفسه على المنطقة لقب المستنقع، وعلى صراعاتها "الحروب السخيفة" و"القبلية"، وهي مفردات يبدو أنها ستتردد كثيراً خلال الفترة القادمة.

الغطرسة واللغة المتعالية المهينة التي استخدمها في خطابه، والحديث عن الأموال الطائلة والأسلحة التي تلقاها الأكراد من الإدارة الأمريكية مقابل خدماتهم، أثناء توضيحه لقرار الانسحاب، والتركيز على حياة الجنود الأمريكيين "العظماء"، كانت موجهة بالأساس نحو قاعدته الانتخابية التي اهتزت إثر فضيحة المكالمة الهاتفية مع الرئيس الأوكراني، الثغرة الجديدة التي يحاول الديمقراطيون استغلالها في إجراءات عزل غير واضحة، ولكنها ستتركه ينزف طوال السنة الانتخابية القادمة 2020.

ولكن الرجل الذي تخلى عن كوكب الأرض وانسحب من "اتفاقية المناخ"، لن يتوقف طويلاً أمام بضعة آلاف من المقاتلين لم يعد بحاجة لهم.

في الجانب الآخر ومن مسافة صفر يصوب أردوغان على الجسد الكردي الذي تمدد في مساحات يصعب الحفاظ عليها، ويسهل تقطيعه فيها، في مواجهة فرضها الأتراك، وحددوا زمنها ومكانها مدعومين بجيش من أبناء المنطقة العرب والتركمان سيمنحهم غطاءً يكفيهم للوصول إلى ضفاف الفرات.

لم يتوقف أردوغان عن جمع الأوراق والنقاط للتمهيد للحملة، ولكنه الآن بحاجة لانتصار يخفف من أزماته الكثيرة، سواء الاقتصادية أو تلك التي تعصف بحزبه وتهدد زعامته.

استطاع أن يضعف الموقف الأوروبي عبر اتفاق اللاجئين، وتحكمه في أبواب الخزان بحيث يمكنه التهديد بإغراق الأوروبيين المذعورين بموجة جديدة من اللاجئين في حالة توقفهم عن التمويل أو الاعتراض الذي يتجاوز الشجب على العملية، بينما يلوح للجميع بأن "المنطقة الآمنة" ستستوعب أكثر من مليوني سوري من الذين لجؤوا إلى تركيا.

الروس من جهتهم لم يلتفتوا نحو المقاعد الخلفية حيث يجلس حليفهم، النظام، لتبليغه بأنهم سيغضون النظرعن الحملة التركية ووصول الجيش التركي إلى عمق 30 أو 40 كيومتراً داخل الأراضي السورية، وبدا أن اتفاقاً مسبقاً قد أبرم مع أردوغان.

شرائح واسعة من الشعب التركي المضغوط بأزمة اقتصادية خانقة وانهيار العملة، والتي بدأت بالتذمر واتهام العمالة السورية الماهرة والرخيصة، تنتظر دفع هؤلاء اللاجئين نحو "المنطقة الآمنة".

تبدو الطريق ممهدة، حتى الآن في الأقل، أمام "منطقة آمنة" لتركيا شرق الفرات السوري، ثمة وجهات نظر ستظهر حول المساحات والعمق، هي في النهاية تفاصيل يمكن الاتفاق والمساومة حولها.

ولكن سوريا التي نعرفها لم تعد كذلك.