الإثنين 14 أكتوبر 2019 / 11:57

مخطط إيراني خطير في دير الزور

كشف تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، مخططات ايرانية خطيرة في دير الزور شرق سوريا، مشيراً إلى أدوات إيران العسكرية، والمالية، والخدمية، والدينية، هناك.

إلى جانب تقديم مدفوعات مباشرة إلى المجندين الشيعة، يتغلغل الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي في النسيج الاجتماعي لغالبية السكان العرب السنّة

وأكد التقرير بناء قاعدتين عسكريتين جديدتين في المنطقة، إحداهما في الضواحي الغربية لمدينة الميادين، والأخرى أكبر حجماً في البوكمال أُطلق عليها اسم "الإمام علي"، وأبرز دور النظام السوري في دعم التوجهات الإيرانية، خاصةً نشر التشيع.

وكتبت علا الرفاعي، زميلة في "برنامج غيدولد للسياسة العربية" في معهد واشنطن، إنه في 30 أيلول(سبتمبر،) أعادت سوريا والعراق فتح معبرهما الحدودي الرئيسي بين البوكمال والقائم، الذي كان مغلقاً منذ خمسة أعوام.

وحملت الظروف المحيطة بهذا الحدث دلالات كثيرة، فقد تأجلت  المراسم أسبوعين بسبب الضربات الجوية الأجنبية التي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها، والتي طالت أهدافاً للحرس الثوري الإيراني في شرق سوريا بعد الهجوم الإيراني على منشآت نفط سعودية، وتساءلت: "ما الذي كان يفعله الحرس الثوري ووكلاؤه المحليون في محافظة دير الزور؟ وما هي دلالات هذا النشاط على خطط إيران الأوسع نطاقا هناك؟".

معبر البوكمال
وترأس مراسم إعادة فتح المعبر كاظم العقابي ممثلاً للحكومة العراقية، الأمر الذي أثار تساؤلات عن مساعدة القرار في الالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. ورغم أن وسائل الإعلام الحكومية السورية غطت الحدث باعتباره فرصة لتعزيز التجارة مع العراق، إلا أن رد فعل طهران أشار إلى أن المعبر سيخدم المصالح العسكرية الإيرانية بشكل رئيسي.

ووفقا لمسؤولين ووسائل الإعلام في إيران، تكتسب إعادة فتح المعبر "أهمية استراتيجية كبرى" في تقوية "التحالف الثلاثي" لإيران مع بغداد، ودمشق. وكما جاء في تقرير نشرته أخيراً وكالة "مهر للأنباء"، فإن هذا الحدث قد "يمهد" الطريق أيضا أمام إيران لمواجهة الوجود العسكري الأمريكي المحتمل تقلصه في شمال شرق سوريا، بالسماح لقوات الحشد الشعبي وجماعات أخرى بدخول الأراضي السورية بالكامل و"القضاء على الإرهاب"، في إشارة جزئياً إلى المليشيات الشيعية في  الحشد الشعبي العراقية، التي غالبا ما تنشط على الحدود.

تهميش قوات الأسد

ووفقا لناشطين سوريين معارضين للنظام، تسيطر إيران ووكلاؤها حالياً على سبع بلدات على الأقل على الجانب الشرقي من نهر الفرات الممتد جنوب مدينة دير الزور، من الميادين إلى البوكمال.

ويشمل ذلك سلطة عسكرية كاملة وإدارة تنفيذية يمارسها ما يقرب من 4500 عنصر مسلّح، بعضهم من الحرس الثوري الإيراني، والبعض الآخر من مليشيات شيعية مثل لواء الباقر، وكتيبة فاطميون، والحشد الشعبي، ومختلف الجماعات التي تطلق على نفسها اسم حزب الله السوري.

وكان وجود هذه العناصر قد أضعف بشكل كبير الدور المحلي لمليشيا "قوات الدفاع الوطني" التابعة لنظام الأسد، ويُعزى ذلك جزئياً إلى انعدام ثقة الحرس الثوري الإيراني في قدرات هذه القوات، ولكن أيضا بسبب خطة طهران الطويلة الأمد لتعزيز نفوذها.

ووفقا لمدير شبكة "دير الزور 24" الإخبارية، عمر أبو ليلى، "يُسمح فقط" لـ "قوات الدفاع الوطني" بممارسة السلطة على المناطق المدنية في محافظة دير الزور ولا يُسمح لها بالمشاركة في المعركة.

وفي بعض الحالات، أفادت بعض التقارير بأن الحرس الثوري اعتقل مقاتلين من "قوات الدفاع الوطني" بسبب صراعات داخلية على السلطة. وحتى الوحدات العسكرية الروسية فقد تراجع على ما يبدو في جميع أنحاء المحافظة.

قاعدتان إيرانيتان جديدتان

وفي الوقت نفسه، تبني إيران قاعدتين عسكريتين جديدتين في المنطقة، إحداهما في الضواحي الغربية لمدينة الميادين، والأخرى أكبر حجماً في البوكمال أُطلق عليها اسم "الإمام علي".

وتقام القاعدتان بالتعاون مع "جهاد البناء" و"منظمة الإمام الحسين"، وهما مؤسستان ترعاهما إيران ولهما فروع في دير الزور، الميادين، والبوكمال.

وستعزز المنشأتان هدف طهران المتمثل في السيطرة على طريق استراتيجي رئيسي يمتد من البوكمال شمالاً إلى محطة ضخ النفط في الميادين "تي-2"، ومن ثم غرباً إلى التياس التي تضّم محطة الضخ والقاعدة الجوية السورية "تي-4"، وأخيراً إلى سهل البقاع في لبنان، المعقل الرئيسي لحزب الله.

رواتب المقاتلين وإسكانهم
رغم أن المليشيات الشيعية في دير الزور تضم فصائل أفغانية، وباكستانية، إلا أن قوات الحشد الشعبي العراقية هي بمثابة القناة المالية الرئيسية لإيران في المحافظة، لا سيما في البوكمال. وتختلف الرواتب وأساليب توزيعها حسب جنسية المجند. وعلى سبيل المثال، يتقاضى المقاتلون العراقيون في سوريا حوالي 400 دولار شهرياً عبر بطاقات "ماستر كارد"، يُعطيها لهم من الحشد الشعبي.

أما المقاتلون من جنسيات أخرى، فيتقاضون أموالهم نقداً وشخصياً، وغالبا ما تُسحب من مصارف خاضعة لإدارة "قوات الحشد الشعبي" في العراق.

أما المجندون السوريون، فيتقاضون رواتبهم مباشرة من الحرس الثوري بمبالغ تعتمد على المهام الفردية الموكلة لهم. فالذين يخدمون في مدنهم وقراهم يحصلون على 100 دولار شهرياً، في حين يحصل الذين يتوجهون إلى الخطوط الأمامية على 150 دولاراً، بالإضافة إلى الآليات العسكرية وقسائم الوقود والأموال المخصصة لمصاريف متنوعة.

ووفقاً لشخصيات محلية مناهضة للنظام، فإن هذه الممارسات المالية للحرس الثوري المنظمة جيداً، تفوق بكثير الهيكلية الأمنية "الفوضوية والمفلسة" لنظام الأسد. وعلى غرار ما حدث عندما سيطر تنظيم داعش على المنطقة، تستقطب الحوافز المالية للحرس الثوري السوريين العاطلين عن العمل والفقراء،
والمقاتلين الأجانب أيضاً.

إلى ذلك، يُضمن للمجندين الشيعة وعائلاتهم السكن في العقارات التي يشتريها ويديرها رجال أعمال إيرانيون. ومنذ نوفمبر(تشرين الثاني) 2018، استقرت أكثر من مائة عائلة شيعية أجنبية في الأحياء الجنوبية للميادين، وعدد مماثل من العائلات الشيعية العراقية في البوكمال، وقد ازدادت هذه الأعداد بلا شك منذ ذلك الحين.

تمويل التلقين التربوي والديني

وتتجلى مبادرات إعادة الإعمار ومشاريع الأعمال العامة الإيرانية في سوريا أكثر فأكثر. فإلى جانب المدفوعات المباشرة للمجندين الشيعة، يتغلغل الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي في النسيج الاجتماعي لغالبية السكان العرب السنة بمجموعة متنوعة من الأنشطة الاجتماعية، والاقتصادية، الأمر الذي يساعد هذه القوات على فرض مذهب الشيعة الاثنا عشري بين السكان المحليين الذين يعانون من ضائقة مالية.

وعلى سبيل المثال، وبمباركة نظام الأسد، يُرغم "المركز الثقافي الإيراني" في مدينة دير الزور بشكل أساسي طلاب المدارس، والجامعات على المشاركة في الفعاليات التي ينظمها المركز.

كما أمر "اتحاد شبيبة الثورة" التابع لحزب البعث الخاضع للنظام، مديرية التعليم المحلية بتنظيم رحلات ميدانية لحضور الاحتفالات الدينية الشيعية، ومحاضرات الحرس الثوري الإيراني، وفعاليات كتابة قصص قصيرة، ومسابقات رياضية، وفي المقابل، يكسب الطلاب أرصدة ومساعدات مالية إضافية.

وبالمثل، يعلن بشكل كبير عن المنح الدراسية للدراسة في الخارج، التي تستهدف الطلاب المهتمين بمتابعة الدراسات الدينية والعودة إلى سوريا دعاة مبشرين بالاثنا عشرية.

وتخصص المنح الدراسية للفئات العمرية بدءاً من أطفال المدارس الابتدائية ووصولاً إلى الطلاب الذين بلغوا الثلاثينيات. وسبق لحوالي مائة طالب من دير الزور السفر إلى إيران للالتحاق بهذا البرنامج.

وبالإضافة إلى ذلك، يدير أساتذة إيرانيون ثلاث مدارس في الميادين، والبوكمال، ودير الزور، أين يدّرسون الفارسية، والتاريخ، إلى جانب مواد أخرى، وتفيد بعض التقارير بالتحاق نحو مائتي طالب بهذه المدارس.

القبائل المحلية
وتؤدي بعض القبائل المحلية في دير الزور دوراً رئيسياً في تنفيذ هذه الأجندة الإيرانية. ففي مناطق مثل صبيخان والميادين، أمر الحرس الثوري شيوخ القبائل بدعوة السكان لحضور فعاليات تنظم في حسينية شيعية، أين تُوزع الجوائز، والمساعدات على الأيتام والنساء وعوائل القتلى.

وتُشير المصادر المحلية أيضاً إلى أن الشيخ نواف البشير من قبيلة البقارة، يدير ميليشيا تدعمها إيران في المحيميدة. وبالمثل، يُعتبر صالح محمد إسماعيل البعاج، أحد المسؤولين في قبيلة البعاجين في الميادين، حليف طهران الرئيسي في نشر مذهب الاثنا عشري، بالتعاون مع "المركز الثقافي الإيراني" في دمشق، بالإضافة إلى دوره مستشاراً دينياً للواء أبو الفضل العباس، المليشيا موالية للأسد التي تتألف من مقاتلين عراقيين، ولبنانيين.

وأصبحت العصا في نهج "العصا والجزرة" هذا واضحة أيضاً، ففي العام الماضي، على سبيل المثال، قبضت السلطات السورية على عشرين إماماً سنياً من صبيخان، والميادين، والبوكمال، وغيرها من المدن لرفضهم الدعوة إلى الصلاة بأسلوب شيعي. وفي المقابل، حصل الأئمة الذين لبوا النداء على زيادة في الأجور.

أهداف دينية
وتعزز مركز دير الزور في تحقيق الأهداف الدينية والاستراتيجية لإيران في يوليو(تموز) الماضي، عندما زار قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني مدينة البوكمال شخصياًِ. والتقى فيها قادة مليشيات من أجل تأسيس وحدة جديدة تحت اسم "لواء حراس المقامات"، ستُكلف بالدفاع عن المقامات الشيعية التي بنيت أخيراً في دير الزور.

وببناء مقامات شيعية جديدة في مواقع مقدسة قديمة أو على مقربة منها، وأسستها سلالات سُنية، يسعى الحرس الثوري إلى تشكيل شرعية دينية محلية. وستتماشى هذه المهمة بشكل جيد مع العديد من المنظمات الإنسانية التي أنشأتها إيران في المحافظة، والتي تُعرّف السكان المحليين بالعقائد الشيعية، أثناء توزيع المساعدات عليهم.

في الآونة الأخيرة، دفع هذا المزيج من الآليات الإيرانية بسكان محافظة دير الزور إلى الاحتجاج ضد نظام الأسد، وانتقاد الوجود العسكري للحرس الثوري، وتأثيره الاجتماعي. وتمثل هذه المظاهرات فرصة مهمة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين لقلب الاتجاهات المثيرة للقلق على الأرض، بإعلان دعم المتظاهرين، وحمايتهم من الأذى عند الإمكان، وأو بمساعدتهم سراً.

وخلصت الكاتبة إلى أن ذلك لن يدعم مطالب السوريين الشرعية فحسب، بل سيعيق أيضاً هدف إيران المتمثل في تأسيس "هلال شيعي" عبر العراق، وسوريا، ولبنان، النتيجة التي قد تشكل تهديداً كبيراً للمصالح الأمريكية ومصالح الحلفاء في الشرق الأوسط.

وبالإضافة إلى ذلك، على الحلفاء تكثيف إجراءاتهم الأكثر قسوة عند الضرورة، بدءا بشن ضربات جوية إضافية ضد عناصر الحرس الثوري الإيراني، والوكلاء المحليين لإيران داخل سوريا، وصولا إلى منع  مؤسسات قوات الحشد الشعبي العراقية، من تحويل الأموال إلى المقاتلين الذين ينفذون عمليات عبر الحدود.