الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، مطلقاً مبادرة "العربية لغة التسامح" (أرشيف)
الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، مطلقاً مبادرة "العربية لغة التسامح" (أرشيف)
الإثنين 14 أكتوبر 2019 / 18:58

اللغة العربية لغة تسامح

نعلم جميعاً،علم يقين، أن الإماراتِ العربيةَ المتحدةَ تعيش في ظلال وارفة من التسامح. ظلالٍ لا يوفيها حقَها من التشبيه إن مثلنها برجل فقد راحلته في فلاة قاحلة، وأحرقته الرمضاء الحارقة، ثم أسعفته شجرةُ غاف وارفة الظلال.

ما لا نقاش فيه أن لغتنا لغة علو لا استعلاء، وتميز لا تمييز. إنها لغة التسامح

وندرك أيضاً، إدراك بصير، أن عام التسامح أتى مؤصلاً للتسامح ومعززاً، مؤكداً ومبرزاً. منشطاً ومحفزاً. وقد كان. فالرؤى واضحة والأهداف تتحقق. وقد سعى كل فرد وكِيان أن يسهم بسهم في عام التسامح. فالوزارات الخدمية طرحت مبادراتها، والجهات التجارية قدمت إسهامها، والمؤسسات التربوية والثقافية كان لها سهم ليس بيسير.

وكان لا بد أن يكون للغة، وأهل اللغة نصيب. فاللغة الخالدة الراقية العالية، لغة الأصالة والجزالة، والوحي والهدي، والمنابر والمحابر، والعلم والرسم، واليقين والتبصر، والعزة والرفعة، والمنطق والمروءة، والثراء والإعجاز، والخلود والحضارة، والبلاغة والدلالة، والفخر والإبهار، والماضي والحاضر والمستقبل، والبيان والتبيين، والنوادر والحكم، والأمثال والأقوال، والأدب والشعر، لن تعجز أن تضيف إلى ما يقبل الإضافة مضافاً إليه، فتكون لغة التسامح.

في الصيف الماضي، انطلقت مبادرة "العربية لغة التسامح". وهي مبادرة جديرة بالتطوير والتعميم، وكم كان جميلاً أن تجاوزت إطار المبادرة الصيفية التي تلامس احتياجات طلاب المدارس، لتكون منهجاً ومدرسة جديدة في التعليم، بل تتعدى حقل التعليم إلى مجالات الحياة كافة، لتنتشل اللغة العربية من ضيق الأيديولوجيات الدينية المتشددة إلى رحابة العالم الحر المتسامح.

وكما أن الملة حنيفية سمحة، فإن وعاء الدين وناقله سمح. ومن هنا جاءت سماحة اللغة وتسامحها. أولئك الذين يستندون إلى قوة اللغة ويلبسونها لبوس القداسة والأفضلية، محقون بلا شك، لكنهم يزلون حين يبالغون ويتطرفون، والتطرف مذموم في الأمر كله، كما أن الوسطية محمودة في الأمور جميعها. أولئك المحبون فيرون في القوة سيطرة، واستعلاء، وهيمنة وإقصاء.

والحق كل الحق أن كل اللغات في أفواه أهلها وألسنتهم جميلة صقيلة، وقد عرف سلفنا ذلك، فقال ابن حزم الأندلسي في كتابه الإحكام في أصول الأحكام:" توهم قوم في لغتهم إنها أفضل اللغات، وهذا لا معنى له، لأن وجوه الفضل معروفة بعمل أو اختصاص وكل يرى لغته الأفضل والعاقل يذهب إلى بطلان المفاضلة بين اللغات، لأن اللغة وسحرها في الوظيفة سواء أكانت إبداعية أم تواصلية.

وثمة عبارة جميلة للفيلسوف والأديب الألماني غوته يقول فيها: "ينتهي كل أدب بأن يملل نفسه ما لم ينعشه إسهام أجنبي" وهذا قول حق، ومقال صدق. يصدق على جميع اللغات ثم يكمل غوته مطبقاً ذلك على اللغة العربية، "إن الترجمة قد أنقذت الأدب العربي، وواكبته باستمرار، وساهمت في تجديده، وذلك بالانفتاح على أجناس أخرى جديدة، وارتياد أشكال للكتابة لم يسبق لها مثيل".

الموضوع قابل للنقاش، لكن ما لا نقاش فيه أن لغتنا لغة علو لا استعلاء، وتميز لا تمييز. إنها لغة التسامح.