الثلاثاء 15 أكتوبر 2019 / 12:48

انسحاب ترامب من سوريا... هروب سياسي لا استراتيجية وطنية

انتقد رئيس ومدير معهد السياسة التقدمية ويل مارشال قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا، وفتح الباب أمام اجتياح تركي مشيراً إلى أنه يحمل سمات سياسة أمريكا أولاً التي يروج لها الرئيس ترامب. وفي مستهل مقاله الذي نشرته صحيفة "ذا هيل" الأمريكية، وصف الكاتب خطوة ترامب بالمتهورة واستراتيجياً والمعيبة أخلاقياً.

ترامب الذي يقول بتردد الآن إنه لا يدعم التوغل التركي الذي وفر شروطه، لا يبدو أنه فكر بعناية بكل هذه الاحتمالات

في تبريره الانسحاب من سوريا، يقول ترامب إنه يريد إبعاد بلاده عن "الحروب الغبية التي لا تنتهي" في الشرق الأوسط. يستسيغ هذا الخطاب الانعزاليون الجدد مثل السيناتور راند بول. لكن التذمر من  غرق أمريكا في "حروب لا تنتهي" هو عماد سياسة اليسار التقدمي الذي يلقي غالباً اللوم في مسألة النزاعات الطائفية والإثنية في المنطقة، على السلوك الأمريكي.

عبارة طائشة
ويؤكد مارشال أنه حان وقت "تقاعد" هذه العبارة الطائشة، فالقوات الأمريكية ليست منخرطة في الشرق الأوسط لأن الأمريكيين يدمنون الحرب بل لأنهم يريدون احتواء التهديد الإرهابي الإسلاموي.

عمل الأمريكيون مع قوات محلية في سوريا والعراق، ونجحوا في تدمير الخلافة الهمجية المزعومة لداعش. لكن رغبة ترامب في غسل يديه من سوريا تهدد بتبديد الانتصار الصعب. إن قراره الذي أعقب اتصالاً هاتفياً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، همش المسؤولين العسكريين والأمنيين الذين يعارضون بشدة هذه الخطوة.

وهكذا فعل الكثير من الجمهوريين في الكونغرس بعدما تعهدوا بمعاقبة الاعتداءات التركية.

مقارنة في غير محلها
وبمهاجمة الأكراد، يريد أردوغان تأسيس "منطقة آمنة" في شمال شرق سوريا، وبتنحيه حتى يمكن لتركيا مهاجمة المنطقة هي خيانة كبرى للسوريين الأكراد الذين أدوا الدور الأكبر من القتال والموت في الميدان، إذ فقدت الميليشيات الكردية أكثر من 11 ألف مقاتل في الحرب ضد داعش في الرقة وغيرها من المعاقل. وقُتل خمسة جنود أمريكيين من أصل ما يقل عن ألفي جندي في العامين الماضيين. ولذلك فإن الأمر لا يُشبه مستنقع فيتنام الذي يروج له ترامب لتبرير انسحابه من سوريا، وفقاً لمارشال.

داعش مستفيد
إضافة إلى تأسيس منطقة عازلة في شمال شرق سوريا، ينوي أردوغان توطين أكثر من مليون لاجئ سوري هناك، في تعهد الأكراد بمواجهة العملية الشاملة من "التطهير العرقي"، وهو ما يعني أنهم سينقلون جهودهم من القضاء على خلايا داعش، إلى مواجهة الغزاة الأتراك.

ويمكن أن يعرض الصدام العسكري السيطرة الكردية على عشرات الآلاف من أسرى داعش وعائلاتهم للخطر. وإذا خسر هؤلاء المقاتلون، قد يعيد داعش تجميع نفسه وإطلاق هجمات جديدة في سوريا والعراق. وقد أثار هذا الاحتمال قلق الحلفاء الأوروبيين الذين لم يرحبوا بعودة المتطرفين أصحاب الخبرة القتالية من أصحاب جوازات السفر الفرنسية، أو الألمانية، أو البريطانية.

"أحد آخر"
إن ترامب الذي يقول بتردد الآن إنه لا يدعم التوغل التركي، الذي وفر شروطه، لا يبدو أنه فكر بعناية في كل هذه الاحتمالات. وإلى جانب المحافظين المتشددين "الواقعيين" واليسار المناهض للحرب، يتخيل ترامب أنه بإمكان أمريكا تفادي أعباء الحفاظ على السلام والاستقرار في العالم دون تعرض الأمن الأمريكي للخطر. ويقول الرئيس الأمريكي إن على أحد غيره تولي هذه المهمة.

في سوريا، سيكون هذا "الغير" على الأرجح الديكتاتور السوري بشار الأسد ورعاته المتسلطين الروس والإيرانيون، رغم أن الأكراد كانوا أفضل حاجز أمام استعادة الأسد كل سوريا. وسيشكل هذا انتصاراً استراتيجياً ضخماً لمحور المتسلطين، ويثبط معنويات القوى المؤيدة للديموقراطية في سوريا، وأماكن أخرى، ويعزز موقع إيران للتآمر على العراق ودول عربية معتدلة.

يناقض نفسه
إنّ التذمر من "الحرب التي لا تنتهي" يعكس إحباط الأمريكيين من التدخلات العسكرية الطويلة في أفغانستان، والعراق. ولا شك أن الأمريكيين متعبون من كلفة والخسائر بسبب هذه التدخلات. لكن  ترامب نفسه عترف بأنه لا يمكن لبلاده الانسحاب من أفغانستان قبل التوصل إلى اتفاق مع طالبان لتفادي 11 سبتمبر أخرى. ولا يبدو مستعداً لتكرار خطأ أوباما والانسحاب المتسرع من العراق والذي سمح لداعش باختراق سوريا، والاستيلاء على مدينة الموصل، بل على العكس، إذ يقول ترامب إنه يريد إبقاء القوات الأمريكية في العراق لمراقبة إيران.

للتخلي عن العذر الوهمي
باختصار، يتابع مارشال، واشنطن ليست عالقة في "حروب لا تنتهي" في الشرق الأوسط، وقواتها موجودة هناك للسبب نفسه الذي تنتشر لأجله وحدات أخرى من جيشها في أماكن أخرى من العالم، أي استباق التهديدات ضد الولايات المتحدة، وردع الاعتداء، وحماية مصالحها البعيدة المدى. إن مهمة هذه القوات بدعمها القوى الأفغانية أو قوى أخرى تتولى معظم القتال الميداني، هي مكافحة الإرهاب لا شن الحروب.

ويرى الكاتب أن تساؤل الأمريكيين عن حاجتهم أو قدرتهم على تحمل كلفة 800 قاعدة عسكرية حول العالم أمر منطقي، داعياً إلى إجراء نقاش حول الموضوع، ولكنه يُشدد على ضرورة التخلي عن العذر الوهمي الذي يكمن وراء "الحروب التي لا تنتهي" للانسحاب الأمريكي. فهذا هو هروب سياسي، لا استراتيجية وطنية.