شعار حركة النهضة.(أرشيف)
شعار حركة النهضة.(أرشيف)
الثلاثاء 15 أكتوبر 2019 / 19:50

في نرجسية خطاب الوصاية

نرجسية حركة النهضة وامتلاء ذهنيتها بالأوهام وحماس قيادتها لتغييب الخصوم ونزوعهم إلى تجاهل المعادلات الدولية والإقليمية ذات الأثر على تفاصيل العلاقة بين المكونات السياسية أنساها مواصفات وشروط الضامن

بقيت هوامش تضخم أوهام حركة النهضة بالوصاية على خيارات الناخبين واسعة خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية التونسية رغم خلو جعبتها من حلول للأزمات السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.

قد يكون وزير حركة النهضة أنور معروف الأوضح في التعبير عن هذه الذهنية. ففي المنعطف الذي تمر به البلاد لم يجد ما يمنعه عن وصف حركته بأنها الضامنة للاستقرار المؤسسي والسياسي.

تجاوز قيادي الحركة نور الدين البحيري ما قاله معروف دون أن يبتعد عن جوهره حيث احتكر الفضائل والقيم وشيطن الشريك المفترض في الحياة السياسية حين اعتبر التصويت لغير النهضة تصويتاً للمافيا والاستعمار، ورأى في خروج مرشح حركته عبدالفتاح مورو من سباق الانتخابات الرئاسية في الدور الأول خسارة لفرصة تجنب مأزق وصول المرشح نبيل القروي للدور الثاني.

اختلف الأمر قليلاً مع رئيس الحركة راشد الغنوشي الذي تعبر تصريحاته في العادة عن تضخم الذات. ففي تبرير مشاركته في الانتخابات التشريعية قال إن مشاركة رؤساء الأحزاب واجبة لتخليص البرلمان من "الترذيل" و"التتفيه" الذي ألحقته به قوى الثورة المضادة.

مجريات الانتخابات أطاحت بصورة الملاك التي ذهبت إليها نرجسية النهضة. ففي المؤشرات التي جرى التعامل معها على مدى الأسبوعين الماضيين ما يكفي للدلالة على عجز الحركة عن إبقاء الاستقطاب في دائرة ثنائية الإسلام والعلمانية مع ظهور شواهد انتقاله إلى استقطاب مختلف مفرداته النمطية والتحديث يهدد بفقدان جدوى الأدوات التي اعتاشت عليها الحركة سنوات وما زالت تستخدمها في تسويق صورتها المتخيلة وتشويه خصومها.

الدلالات البراغماتية لسرعة الانتقال من دعم مرشحها مورو في الدور الأول إلى مساندة قيس سعيد في الدور الثاني كرست اعتقاداً بنزوع الحركة للامساك بخيوط اللعبة بعد الفشل في السيطرة على سدة الحكم لتنكمش خرافة الضامن أمام طغيان صورة الباحث عن الهيمنة والاستحواذ على مراكز صنع القرار دون مراعاة ضرورات الشراكة وتمثيل المكونات السياسية.

الخلفيات التاريخية للخطاب الذي استخدمته النهضة في معركتها الانتخابية بعض أسباب هشاشته مما حال دون قدرتها على التنصل من مسؤولياتها عن مظاهر الفوضى السياسية التي تمر بها البلاد منذ اندلاع ما يعرف بالربيع العربي.

ولم يخل المشهد الانتخابي التونسي من دوافع العودة للحديث حول "الدعوي" و"السياسي" في تفكير وممارسة النهضة ففي الوقت الذي أعلنت الكتل الفائزة في الانتخابات التشريعية رفضها وشروطها للمشاركة في حكومة تقودها الحركة أبدى ائتلاف الكرامة استعداده رغم نقاط الخلاف التي طفت على سطح خطابه الانتخابي مما يعني أن العلاقة لم تخرج عن إطار لفريق الواحد.

نرجسية حركة النهضة وامتلاء ذهنيتها بالأوهام وحماس قيادتها لتغييب الخصوم ونزوعهم إلى تجاهل المعادلات الدولية والإقليمية ذات الأثر على تفاصيل العلاقة بين المكونات السياسية أنساها مواصفات وشروط الضامن التي توفرت يوما في نموذجية "رباعي الحوار" القادرة على إعادة انتاج الدور الذي قام به في أصعب المراحل إذا اقتضت الضرورة.