مظاهرات في لبنان ضد الحكومة (أرشيف)
مظاهرات في لبنان ضد الحكومة (أرشيف)
الجمعة 18 أكتوبر 2019 / 16:19

لبنان: امتداد المظاهرات وترقب لكلمة الحريري

واصل آلاف اللبنانيين التظاهر لليوم الثاني على التوالي، اليوم الجمعة، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية الصعبة وإقرار الضرائب، في العاصمة بيروت وعدد من المناطق في لبنان، وسط ترقب لكلمة رئيس الوزراء سعد الحريري المقررة مساء اليوم والتي قد تتضمن إعلان استقالته.

وقطع المتظاهرون طرقاً رئيسية في مختلف المناطق، في تحرك موحد لرفع الصوت ضد الحكومة وقرارات فرض ضرائب جديدة عليهم في بلد يشهد أساساً أزمة اقتصادية خانقة، وكما أغلقت المدارس والجامعات أبوابها التزاماً بقرار وزير التربية بسبب الوضع المستجد، كما تم إغلاق المصارف.



حراك جامع
واندلعت التظاهرات غير المسبوقة منذ سنوات أمس الخميس، بعد إقرار الحكومة ضريبة على الاتصالات عبر تطبيقات الإنترنت، ورغم سحب الحكومة لقرارها على وقع غضب الشارع، لم تتوقف حركة الاحتجاجات ضد كافة مكونات الطبقة السياسية الممثلة في حكومة الرئيس سعد الحريري.

وعلت مطالب الشارع باستقالتها، في حراك جامع لم يستثن حزباً أو طائفة أو زعيماً، وتصاعدت نقمة الشارع في لبنان خلال الأسابيع الأخيرة إزاء احتمال تدهور قيمة العملة المحلية التي تراجعت قيمتها في السوق السوداء مقابل الدولار، وتوجه الحكومة لفرض ضرائب جديدة وسط مؤشرات على انهيار اقتصادي وشيك.



وتجمع المتظاهرون في وسط بيروت قرب مقر الحكومة مرددين شعار "ثورة، ثورة" و"الشعب يريد إسقاط النظام"، رافعين الأعلام اللبنانية في وقت أقفلت المدارس والجامعات والمصارف والعديد من المؤسسات أبوابها.

وقطع المتظاهرون طرقاً رئيسية في مختلف المناطق وتلك المؤدية إلى العاصمة ومطار بيروت الدولي، فيما عملت القوى الأمنية مراراً على إعادة فتح الطرق الحيوية.

وخرجت تظاهرات غاضبة في مناطق محسوبة على ميليشيا حزب الله، أبرز مكونات الحكومة، على غرار الضاحية الجنوبية لبيروت وأخرى جنوباً خصوصاً مدينة النبطية حيث تجمّع متظاهرون قرب منازل ومكاتب عدد من نواب حزب الله وحركة أمل.

ومزق المتظاهرون صوراً للحريري في مدينة طرابلس شمالاً، حيث يتمتع بنفوذ فيها، وتظاهر آخرون في مناطق مسيحية محسوبة على التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون.



جلسة طارئة
وأعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء اللبناني، إلغاء جلسة المجلس التي كان مقرراً عقدها بعد ظهر اليوم في القصر الجمهوري ببعبدا، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية، وكان الرئيس اللبناني ميشال عون قد دعا إلى عقد جلسة حكومية طارئة اليوم، في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية التي عمت كافة المناطق اللبنانية.

ومن المفترض أن يتوجه الحريري بكلمة إلى المواطنين في وقت لاحق اليوم، وأشارت مصادر إلى أن كلمة رئيس الحكومة ستأتي من أجل الإعلان عن موقفه، حيث يعمل مع مستشاريه لتحديد مضمونها، معتبرة أن موقفه سيتخذه لوحده من دون التنسيق مع أحد من المسؤولين بل سيقرر ما يراه مناسباً.

وكما أكد رؤساء حكومات لبنان السابقين أن البلاد دخلت منعطفاً دقيقاً في ظل أزمة سياسية تلوح في الأفق بالتزامن مع غضب شعبي.

واعتبر كل من نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام، في بيان أنه "بات واضحاً أن هناك محاولات من قبل البعض للتنصل من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، والبحث عن حلول للأزمات الراهنة ووضع المسألة كلها على عاتق رئيس الحكومة".

وأعلن الرؤساء الثلاث تضامنهم الكامل مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والوقوف إلى جانبه في ما يقرره للخروج من الأزمة الراهنة، ورفض أي محاولة لاستفراده عبر تحميله مسؤولية الأزمات كلها وعدم إيجاد الحلول لها.



دعوات للاستقالة
وبدوره، دعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الاستقالة، وقال "أوجِّه دعوة صادقة إلى رئيس الحكومة سعد الحريري لاستقالة هذه الحكومة، نظراً لفشلها الذريع في وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد، مما أوصلنا إلى الحالة التي نحن فيها".

وفي حين أكد على علمه بالمجهود الذي يبذله الحريري "ولكن الأكثرية الوزارية، ويا للأسف، كانت في مكان آخر"، وشدد أن أفضل ما يمكن أن يقدّمه الرئيس الحريري في هذه اللحظات الحرجة والعصيبة هو تقديم استقالة هذه الحكومة، تمهيداً لتشكيل حكومة أخرى مختلفة تماماً وجديدة تماماً تستطيع قيادة عملية النهوض الاقتنصادي المطلوبة في البلد.



أعمال شغب
ولم تخل التظاهرات ليلاً من أعمال شغب بدت آثارها واضحة في شوارع بيروت صباح اليوم، حيث انتشرت مستوعبات النفايات بشكل عشوائي وسط الطرق مع آثار الإطارات التي تم حرقها وتناثر الزجاج بعد إقدام محتجين على كسر واجهات محال تجارية.

وقضى عاملان أجنبيان اختناقاً خلال الليل إثر إضرام متظاهرين غاضبين النار في مبنى قيد الإنشاء في وسط بيروت، وفق ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية.

وشهد وسط بيروت ليلاً تدافعاً بين القوى الأمنية والمتظاهرين الذين حاولوا اقتحام مقر الحكومة، وأطلقت القوى الأمنية الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، ما تسبب بحالات إغماء، بينما أعلنت قوى الأمن الداخلي إصابة 60 من عناصرها بجروح جراء التدافع.

ونصب بعض المتظاهرين الخيام للاعتصام في الشوارع، لا سيما في العاصمة اللبنانية، وردد محتجون شعارات مناوئة للنظام بسبب تردي الأوضاع المعيشية، وأعلن الأمين العام للصليب الأحمر اللبناني جورج الكتاني عن نقل 26 مدنياً كانوا مشاركين في المظاهرات بالساعات الأخيرة إلى المستشفى، بينما قدمت إسعافات طبية لـ70 شخصاً آخر في موقع الأحداث.



انقسام سياسي
وسلّطت التظاهرات الضوء على الانقسام السياسي وتباين وجهات النظر بين مكونات الحكومة حول آلية توزيع الحصص والتعيينات الإدارية وكيفية خفض العجز من جهة، وملف العلاقة مع سوريا المجاورة من جهة ثانية.

وتشكل العلاقة مع سوريا بنداً خلافياً داخل الحكومة، مع إصرار التيار الوطني الحر وحليفه حزب الله على الانفتاح على دمشق، ومعارضة رئيس الحكومة سعد الحريري وأفرقاء آخرين لذلك، ويحمل خصوم باسيل عليه رغبته بالتفرّد في الحكم، مستفيداً من علاقته مع حليفه حزب الله وبحصة وزارية وازنة.



انهيار اقتصادي
ويعاني الاقتصاد اللبناني من أزمات، حيث بلغ العجز في الميزان التجاري للبلاد 16.65 مليار دولار عام 2018 مقابل 15.87 مليار دولار عام 2017، إضافةً إلى تراجع في حجم التدفقات المالية من الخارج، وزيادة صعوبة تمويل الدولة بالعملات الأجنبية.

وكما شهد الاقتصاد اللبناني خلال السنوات الأخيرة تراجعاً حاداً، مسجلاً نمواً بالكاد بلغ 0.2% عام 2018، وفشلت الحكومات المتعاقبة بإجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي يعاني من الديون والفساد.

وارتفع سعر صرف الليرة خلال الأسابيع الأخيرة إلى 1600 مقابل الدولار، ولجأت المصارف ومكاتب الصرافة إلى الحد من بيع الدولار، حتى بات من شبه المستحيل الحصول عليه، وانخفضت سندات لبنان السيادية الدولارية 1.9 سنت، وتكبدت سندات استحقاق 2025 أكبر انخفاض في شهرين، لتتراجع إلى 67.09 سنت للدولار وفقاً لبيانات تريدويب.

وتعاني البلاد من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيتها التحتية، ويُقدّر الدين العام اليوم بأكثر من 86 مليار دولار، أي أكثر من 150 % من إجمالي الناتج المحلي، وتبلغ نسبة البطالة أكثر من 20%.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل عجز الموازنة الحالي في لبنان إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام الجاري، وتعهدت الحكومة العام الماضي بإجراء إصلاحات هيكلية وخفض العجز في الموازنة العامة، مقابل حصوله على هبات وقروض بقيمة 11.6 مليار دولار، ولم تتمكن الحكومة حتى الآن من الوفاء بتعهداتها.



خيارات ضيقة
وقالت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن في تصريح لقناة الميادين التي تبث من لبنان إن "التظاهرات سلمية وهناك تعليمات بعدم الاحتكاك، وحتى الآن لا توجد أعمال تخريبية والأمن ممسوك، وأي محاولات تخريبية ستواجهها القوى الأمنية".

وأضافت أن "الحكومة خياراتها ضيقة وهي تحاول تجنيب الشعب الانهيار"، مشيرة إلى أنه من الضروري على الحكومة الموازنة بين إجراءات التقشف وتخفيف وطأتها على المواطن اللبناني.

وشددت على أن "استقالة الحكومة لن تكون الحل بل يمكن أن نأخذ البلد إلى الأسوأ، وعلى المواطنين أن يعرفوا ذلك جيداً"، موضحة أن "هذه الحكومة مع كل شوائبها تطرح حلولاً وخيارات باتت قليلة في ظل ما وصلنا إليه من وضع مالي واقتصادي دقيق لأنه يحتم علينا إقرار موازنة تقشفية".

وعن الضرائب، رأت أن الحكومة كانت تبحث عن الخيارات المتاحة ولكنها لم تكن قد اتخذت أي قرار بعد، مشددة على أن "مقاربتها كانت وللمرة الأولى تتسم بالجدية والعزم والنية فقد فتحت ملفات لم تناقش في أي حكومة سابقة، لذا لا يمكن تحميلها كل ما يحصل في البلد لا سيما وأننا نعرف أن هناك عوامل سابقة وعوامل خارجية".

وأشارت إلى أنه "إذا تشكلت حكومة جديدة لن يكون هناك خيارات مختلفة عن التي تتخذها الحكومة الحالية".