المغنية المصرية شيرين (أرشيف)
المغنية المصرية شيرين (أرشيف)
الجمعة 18 أكتوبر 2019 / 20:23

أنغري بيردز

حدث كل شيء في لمح البصر، حتى أنه لم يتسن لنا كمتراشقين بالهمز واللمز اليومي "الخفيف" أن نتابع المشهد. لقد أتت كرة الثلج الافتراضية العملاقة، فطوّقت الفنانة شيرين عبدالوهاب، وتدحرجت لتلقي بها من على سفح "السوشيال ميديا".

اللجوء المستمر إلى الغضب في التعاطي مع جميع القضايا والأخبار باختلاف أهميتها وجدّيتها وعواقبها سيميّع الغضب نفسه، ويسخّفه، ويفقده قيمته

بدأ "الانهيار" بتغريدة لشيرين تؤكد استعدادها لإقامة حفل غنائي، على أن يذهب كل ريعه للمتضررين من الحرائق في لبنان الشقيقة.

قرأت كلمات شيرين مراراً وتكراراً. أقسم بأن ليونيل ميسي نفسه لن يجد "ثغرة" في التغريدة ليراوغ نواياها، وينفذ من خلالها!

ولكن ذلك ما حدث. ففئة هاجمتها بتهمة ادعاء التعاطف مع بلد الأرز. وفئة هاجمتها لأنها لم تقف مع بلدها مصر في أزماته الكبرى. وفئة لطيفة ثالثة، هاجمتها لأنها لم تحرك ساكناً لإسعاف السوريين بعد 8 سنوات من احتراق البلد لأجل الأسد، أو لمساعدة العراقيين الذين يتساقطون الآن بين جريح وقتلى.

شخصياً، لا أجد تفسيراً مقنعاً لحالة الغضب الافتراضية هذه. ما الذي يحيل طائر "تويتر" الأزرق في حسابات البعض إلى شخصية "أنغري بيرد"، فيصبح جاهزاً لوضعه في المقلاع، وقذفه في أي اتجاه ولأي سبب؟

هل لأن الردود الحانقة، والمواقف المتصلبة، ارتبطت في أذهاننا بحمل ألوية القضايا الاجتماعية، والدفاع عنها؟ هل لأن الصدام عند كل تقاطع من الآراء، ووجهات النظر، هو طريق مُعبد إلى "الشهرة" الافتراضية؟ أم هل لأننا أبناء ثقافة تفرض المجاملة واللطافة في الحياة الواقعية، فتجذبنا فكرة صراع الديكة الافتراضية، وتطاير الريش التويتيري، لا سيما أن قسم لا بأس به من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يستخدمون المعرفات الوهمية؟

وبينما أؤمن بأن قن الدجاجات الافتراضية الغاضبة لن ينفد مخزونه يوماً، فهو في عملية تفريخ يومية لتغطية الاحتياج العالمي من الاعتراض، والامتعاض، والشكوى، فإني أكاد أرى نهايته الأليمة.

أعتذر عن إثارة إدمانكم السري للألعاب الإلكترونية، ولكن لنعد إلى مثال "آنغري بيردز" لبرهة.
  
لا بد أنكم لاحظتم الصعوبة التي تعتري المراحل مع تعاقبها، فالخنازير المتعدية المستفزة عززت حصونها، وارتدت دروعها وخوذاتها، وأصبحت عصافيرنا الغاضبة "تفطس" دون جدوى عند إطلاقها.

إن اللجوء المستمر إلى الغضب في التعاطي مع جميع القضايا والأخبار باختلاف أهميتها وجديتها وعواقبها سيميع الغضب نفسه، ويسخفه، ويفقده قيمته، ويجعله غضباً لمجرد الغضب! ما كان بالأمس موقفاً حازماً صارماً، يستدعي من الطرف الآخر التوقف عنده، ومراجعة نفسه، سيغدو مع مرور الوقت مجرد ردة فعل روتينية لن يعود من الواقعي أن نعطل حياتنا بسببها، لكثرة وغموض تكرارها.

والأسوأ أن المغضوب عليه سيفوت الفرصة الثمينة، وإن كانت مؤلمة، للتعلّم من أخطائه وعثراته. مع الوقت، سيصبح "الترفع" عن هذا الغضب، وصم الآذان عن النصائح، والعتب المرافق له، بل واعتباره مجرد "تنمر" و"كراهية"، هو التصرف الأكثر واقعية ونضجاً.

آسفون يا شيرين. كل ما في الأمر أننا غاضبون.