الرئيس الفلسطيني محمود عباس والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (أرشيف)
الجمعة 18 أكتوبر 2019 / 20:31

"السلطة العباسية" والنموذج "البوتفليقي"!

مازلت على قناعة أن الرئيس عباس ليس جاداً في إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة وفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني

يمر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمأزق مركب جوهره هو كيفية إعادة شرعيته رئيساً، ومعه نظامه السياسي المتمثل في السلطة الفلسطينية التي ورثت بسبب أوسلو منظمة التحرير الفلسطينية كما ورث هو شخصياً حركة فتح من خلال تفرده باتخاذ القرار ومحاربته كل الأشخاص والقيادات المنافسة له أو المعارضة لسياساته، متبعاً معها أسلوب "التضييق" التدريجي ليبدو الإقصاء وكأنه ذاتي وطوعي، وذلك من خلال إجبار هؤلاء على الانسحاب مرغمين من المعادلة السياسية الفلسطينية دون ضجيج أو صراخ و من خلال ممارسة "الإرهاب السلطوي" ضد المعاندين والرافضين لسياسته وذلك عبر توجيه الاتهامات لهم، إما بالفساد أو بالتآمر عليه مستخدماً القانون الذي هو في نهاية المطاف سلطة تابعة له تأتمر بأمره.

الرئيس عباس منتهية ولايته وفق القانون الأساسي الفلسطيني منذ 2009، ولم يُبد أي نوع من الحرص على إعادة تجديدها عبر الأطر القانونية والديمقراطية بأي شكل من الأشكال، واستمر وبوعي يتحرك باتجاه "تحنيط" الوضع القائم باعتباره هو الوضع المثالي الذي يناسبه، متذرعا على الدوام بالانقسام الفلسطيني الفلسطيني الذي لم يساهم جدياً في انهائه، أو باسرائيل، وكان على الدوام يواجه أي دعوة لتجديد شرعيته وشرعية "النظام السلطوي" كله الذي بات قائماً على اتفاقيات أوسلو بالرد "الظرف غير مناسب".

أما دعوته للانتخابات التشريعية دون الرئاسية، فهي دعوة مبهمة ومثيرة للحيرة والتفكير بل والاستغراب من رجل لا يعشق بالمطلق الديمقراطية ويخشاها ويخشى نتائجها، بل يحتقرها في داخله ويعتبر التعاطي معها شكلاً من أشكال الضعف، وتطارد هذه الدعوة الكثير من الأسئلة المهمة والجوهرية ومن أبرزها كيف ستتعامل السلطة مع الشخصيات المعارضة للرئيس عباس التي ستترشح سواء للانتخابات الرئاسية لاحقاً أو التشريعية؟ وقبل هذا وذاك، هل لدى الرئيس عباس قناعة بضرورة أن ينسحب من المشهد بعد هذا السن، 83 عاماً ومراعاة لوضعه الصحي، أم أنه مُعجب بتكرار تجربة عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر؟.

وفي الإجابة على هذا السؤال أستطيع القول إن الرئيس عباس متمسك بكرسي الرئاسة لأسباب عديدة، وفي أغلبها أسباب شخصية بحتة، ولا يستطيع قبول أو تقبل فكرة التنحي أو الاستقالة.

فقد بات الرجل على قناعة تامة أن من حقه أن يُكمل ما تبقى من حياته "رئيساً للشعب الفلسطيني" على غرار أي رئيس ترعبه لحظة الشعور بأنه بات خارج السلطة، وأنه في مرمى المحاسبة والمساءلة، وأعتقد أن مشهد الرئيس المصري الأسبق محمد حسنى مبارك خلف القضبان بوضعه الصحي الصعب يغذي لديه "الاستشراس" وبكل الوسائل للحفاظ على سلطته رئيساً.

وبالعودة إلى مسلسل الأسئلة، من المهم طرح السؤال المتعلق بمصير قطاع غزة؟ ومن سيشرف على الانتخابات فيه؟ وهل ستشارك حماس في تلك الانتخابات؟ وما هو مصير القدس؟ وهل سيقبل الاحتلال باجراء انتخابات فيها وهي التي أعلنها عاصمة أبدية لإسرائيل قبل عام تقريباً؟ وغيرها من الأسئلة.

لازلت على قناعة أن الرئيس عباس ليس جاداً في إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة وفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني، وأنه قد يكون جدياً إلى حد معقول نسبياً في دعوته لاجراء انتخابات تشريعية فقط، وعدم ربطها بالانتخابات الرئاسية، وفي حال حدوث تلك الانتخابات، فلن تغير أي شيء يذكر في تركيبة الوضع السلطوي القائم المسمى "السلطة الفلسطينية"، وهو وضع لا يستحق بأي حال تسميته أو وصفه بالنظام السياسي الفلسطيني، والسبب أن كل السلطات عملياً وليس كما هو مكتوب على الورق، في يد رئيس السلطة.

لقد أشعلت الإشارة المتعمدة جداً من المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل للرئيس عباس خلال لقائهما في برلين في أغسطس (آب) الماضي، شعوره بالخوف من "العزلة الأوروبية" بعد العزلة الأمريكية، حيث قالت له ما معناه: "لقد تسلمنا مواقعنا أنا وأنت في ذات العام، وتقصد 2005، وأنا بقيت في منصبي بعد أربع جولات انتخابية عامة".

كانت تلك الإشارة كافية لرجل يعرف ثقل ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، وكانت كافية ليدرك أن الديمقراطية هي عنوان الدعم والمساندة من أوروبا لأي نظام في العالم الثالث، وأن عليه أن يبادر لدى عودته إلى الأرض الفلسطينية بتوجيه رسالة بالمقابل للمستشارة ميركل من خلال دعوته لاجراء انتخابات في مناطق السلطة الفلسطينية دون توضيح أو تفصيل، فحوى الرسالة ومضمونها "ها أنا استمعت لك وسوف أعمل على انتخابات ديمقراطية".

شكراً لميركل التي حركت الحس الديمقراطي للرئيس عباس!