الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.(تويتر)
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.(تويتر)
السبت 26 أكتوبر 2019 / 20:59

نصرالله انقلب على نفسه

لبنان قبل خطاب الجمعة لنصرالله ليس كما بعده، لا لأن الامين العام للحزب هدد بشبح حرب أهلية يبسط فيها بقوة سلاحه السيطرة على البلاد، بل لأن الحزب وضع نفسه في مواجهة حراك شعبي مطلبي صرف

باستثناء العلم اللبناني الذي ظهر للمرة الأولى في خلفية صورة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يوم الجمعة، كان الخطاب الذي ألقاه هواجس إيرانية صرفة، وانقلاباً تاماً على خطابه الذي ألقاه الأسبوع الماضي، وبعيداً شكلا ومضموناً عن هتافات أكبر تظاهرة لبنانية عابرة للطوائف والأحزاب ورافضة لكل تدخل إقليمي وأجنبي.

انقلب نصرالله على نفسه في غضون أيام، أو بالأحرى اضطر إلى ذلك، بعدما أربك خطابه الأول المسؤولين في طهران القلقين من احتمال انهيار الحكومة اللبنانية. بالقوة، أقحم نفسه في معركة سلمية ليست موجهة ضده، وإنما ضد كل الطبقىة الحاكمة، بما فيها حزبه الذي تحول من "بطل" التحرير، إلى شريك في سلطة فاسدة تمعن في إفقار اللبنانيين. ولم يكن استذكاره السفارات والتمويل الخارجي وتذرعه بأخطار الفراغ إلا انعكاساً لهواجس ايرانية بدت واضحة منذ اليوم الاول للحراك، ولمخاوف من انهيار حكومة أقل ما يقال عن جزء كبير من مكوناتها، إنه وكيل للجمهورية الاسلامية في لبنان.

في اليوم الثالث من التظاهرات، قال نصرالله في خطابه في ذكرى أربعين الحسين حرفياً: "حركتكم كانت عفويّة وصادقة، لا يستطيع أحد وأنا متأكّد ممّا أقول، لا يقف أي حزب وأيّ تنظيم حتّى أيّ سفارة أجنبيّة لأننا نذهب دائماً إلى نظرية المؤامرات، لا أحد يقف وراء هذه المظاهرات".

الواضح أن ذلك الكلام أربك طهران. وسارع وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي كان أول مسؤول أجنبي يعلق على التظاهرات اللبنانية، الى الدعوة إلى إيجاد حل مناسب للأزمة الحالية، من دون تدخل خارجي.

ومذذاك، بدا ظريف يعطي كلمة السر للاعلام الايراني الذي اطلق عبر كتاب ايرانيين ولبنانيين موالين لطهران حملة لتشويه صورة الحراك تكللت بكلام نصرالله الذي اتهم فيه جهات محلية وخارجية بالعمل على أخذ الحراك الشعبي نحو أهداف سياسية قد تتسبب بالفوضى الكاملة في لبنان.

وبالتزامن مع حملة التشويه، بدا أن هناك تحريضاً ايرانياً واضحاً للجيش على الوقوف في وجه المتظاهرين، حتى أن بعض الكتاب حمله مسؤولية فتح الطرق، وهو ما لمّح اليه نصرالله لاحقاً.

وبتعبير الكاتب أمير حسين في صحيفة "كيهان" الايرانية أن لبنان ما قبل خطاب نصرالله ليس كما بعده، وأن "سيد المقاومة" صحح بوصلة الحراك المطلبي. ووصل الأمر بحسين الى توصيف ما حصل في الشارع بأنه أمر غريب ومريب، وأن الساحات مشبوهة وملغومة بالفتن والتآمر.

صحيح أن لبنان قبل خطاب الجمعة لنصرالله ليس كما بعده، لا لأن الامين العام للحزب هدد بشبح حرب أهلية يبسط فيها بقوة سلاحه السيطرة على البلاد، بل لأن الحزب وضع نفسه في مواجهة حراك شعبي مطلبي صرف وصم آذانه عن أنين اللبنانيين ووجعهم، وإن هو ادّعى عكس ذلك.

اليوم، بات المنتتفضون واثقين من أن ثمة جهة معروفة تتربص بهم شراً، وتنوي أخذ حراكهم ولبنانهم الى الحرب، وأن تلك الغارات الليلية التي تشنها الدراجات النارية على ساحاتهم في بيروت، ليست إلا بروفا لعمل أوسع يعد له الحزب لتقويض تحرك شعبي سلمي. فهل يفعلها الحزب ويعلن القطيعة مع أكثر من مليون ونصف مليون لبناني نزلوا الى الشوارع منذ 17 أكتوبر(تشرين الأول)؟