الخميس 31 أكتوبر 2019 / 20:27

سقوط الليرة مجدداً

هكذا نتراجع عن زمن الثمانينات ونغدو بسرعة في زمن استرخاص للدولة واسترخاص للنفوذ مصحوب بالبطالة والعوز والهجرة واللجوء

يتذكر اللبنانيون اليوم أزمة ثمانينات القرن الماضي، لقد انخفض يومها سعر الليرة اللبنانية إلى أسفل درك، وبات اللبناني المتوسط مهدداً في معاشه وفي سكنه وفي طعامه.

كان واضحاً يوم ذاك أن هذه الكارثة هي عاقبة الحرب الأهلية التي كان مرّ أكثر من عقد عليها. كانت سوريا لا تزال في لبنان حين تسلم رفيق الحريري رئاسة الوزارة، واستطاع الحريري، بكلفة باهظة، أن يوقف التدهور وأن يعيد البلد الى الجادة.

كان الإصلاح المالي الذي اختطه الحريري مرتفع الكلفة، وترافق الإصلاح مع الدين الذي أخذ يتراكم بالمليارات، واليوم في عهد ابنه لا يزال قسم من الميزانية يخصص لدفع فوائد الدين، وبالطبع فإن هذا القسم يتزايد ويتراكم مصحوباً بكوارث أخرى، إذ لم يستطع الحريري الأب ولا يبدو أن الحريري الابن يستطيع أن يخفض مدفوعات الدين المتزايدة، كما لا يبدو، وبعد مرور عقود، على الحرب أن ثمة مشروعاً لإعادة الكهرباء التي صار اللبناني يدفعها ثلاثاً، مرة أولى للدولة، ومرة ثانية وثالثة لأصحاب الموتورات والشركات.

ليست الكهرباء وحدها مدفوعة مرتين أو ثلاثاً، فالاتصال التلفوني يكلف المواطن اللبناني أكثر من مرة، فهناك الجهاز المنزلي، وهناك الانترنت وبطبيعة الحال فإن هذا يجر الى ارتفاع الأسعار في كل مكان. إذ يعرف اللبناني ويعرف اللاجىء إلى لبنان اليوم، أن هذا الارتفاع يجر الى ارتفاع آخر، محله هذه المرة السوق، والغلاء، ويعد لبنان من أكثر البلدان ارتفاعاً في الأسعار، فالبلد الذي يضاعف فيه البرنامج المالي الضرائب، والأجور والتبعات المالية كلها، التي لا تذكر بأزمة الثمانينات وحسب وتهدد بإعادتها، بل هي أيضاً شارة البلد الذي يسوده النوع من اللاعدالة في كل شيء. إذ رغم أن الكلام لا يتوقف عن الكارثة الاقتصادية، لا يبدو أن هناك خطة من أي نوع، لإنعاش الاقتصاد، إذ ونحن لا نكف عن الكلام عن الأزمة، لا يبدو أن ثمة خطة لتجاوزها.

لقد بدأنا نستعيد الثمانينات فالليرة اللبنانية بدأت بالانخفاض، وهي على وشك السقوط. إنها مهددة من كل ناحية، والطوق الذي يحاصرها يتزايد ويضيق أكثر فأكثر، وهو ذاته الطوق الذي يشتد حول الاقتصاد اللبناني كله.

لا بأس من أن نبدأ بالضرائب التي وعدت الوزارة بعدم زيادتها، إنما لا نعرف كيف يمكن أن يحصل ذلك مع ما يجري في السوق المالية.

هناك محاولات لا يجرؤ أحد على التطرق اليها، يمكن أن نبدأها بالأملاك البحرية في بلد ساحلي، كان يمكن أن تترك الشواطىء فيه حرة وأن تترك للسابحين ولروادها، لكن هذا لم يحدث فالشواطئ ليست حرة، ولا مجانية من أي نوع.

الشواطئ والأملاك البحرية كما نسميها هنا، هي منذ عقود، مؤجرة بشكل شبه مجاني لمئات وآلاف الأشخاص الذي يستثمرونها بأسعار شبه خيالية، أسعار تعود إلى عقود ماضية، وكانت الليرة فيها مرتفعة بالقياس إلى الدولار وبقية العملات.

الآن بعد أن انهارت الليرة غدت أرقامها أصفاراً فحسب وإذا علمنا أن من وصل إلى استملاك الشواطئ فعل ذلك بفضل توسطات ومساعدات منهم حاشية وأتباع للقادرين وهم حكام غالباً، ورغم أن الخلافات مستحكمة بين الحكام، إلا أنها في المحاصصات أقل حدة، فهذه المحاصصات تتم بين الأتباع بقدر من العدالة والمساواة.

نفهم من ذلك أن كلاً من النافذين والرؤساء ينال حصته التي يُعيرها لأتباعه ويخلعها عليهم، وهذه الحصة تغدو مع الزمن مجانية.

هكذا نتراجع عن زمن الثمانينات، ونغدو بسرعة في زمن استرخاص للدولة، واسترخاص للنفوذ مصحوب بالبطالة، والعوز، والهجرة واللجوء. لذا فإن استرجاعنا للثمانينات يعني أننا على الحافة، وأن التراجع والانحسار لا يعودان فقط اليوم، بل أننا بالدخول في الكارثة.

والكلام عن الإصلاح ليس في الواقع سوى خيال ليس وراءه في الواقع أي خطة، فالمحاصصة الطائفية هي في ذات الوقت محاصصة بين أمراء، هم في نفس الوقت أمراء الحرب وأمراء السلام.