الخميس 7 نوفمبر 2019 / 13:16

على واشنطن مكافأة الجيش اللبناني بدلاً من معاقبته

دعا مدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط بلال صعب، إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التراجع عن تجميد مساعداتها للجيش اللبناني. وشدد في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية على أنّ الإدارة تبدد فرصة بارزة لاستثمار الانتفاضة الشعبية اللبنانية التي لم تشهدها البلاد في تاريخها.

فكرة التعليق سيئة في جميع الأحوال. بغض النظر عن المخاطر السياسية، اختار الجيش اللبناني أن يكون إلى الجانب الصحيح من تاريخ لبنان ودعم طموحات اللبنانيين والأحرار فقوض بشكل غير مباشر بيئة سياسية نما فيها حزب الله

بدلاَ من مضاعفة دعمه للجيش اللبناني بما يعزز مؤسسات الدولة ويزيد الضغط على حزب الله، قام البيت الأبيض بما هو عكس ذلك من خلال تجميد أكثر من 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية. صاحب هذا القرار المثير للجدل هو مجلس الأمن القومي الذي تخلى عن التوافق الأمريكي الطويل لدى كلا الحزبين حول السياسة اللبنانية. كان مسؤولو المجلس الممسكين بملف الشرق الأوسط يحاولون بقوة ولأكثر من سنة تخفيض برنامج الدعم العسكري للبنان وإعادة تغيير أهدافه.

هدف مألوف
قاد هذا الجهد المستشار السابق لجون بولتون لكنه استمر على وتيرته حتى بعد إقالته. لم يعط مكتب الإدارة والموازنة سبباً لتعليق التمويل لكن هذه الخطوة يجب أن تكون مألوفة: هي تجادل بأن حزب الله يسيطر على الحكومة اللبنانية ويفرض تهديداً على إسرائيل، وحتى تظهر القوات المسلحة اللبنانية التزاماً أكبر بتحدي الحزب المتشدد، ستنخفض المساعدة العسكرية الأمريكية.

وثمة حجة أخرى لهذه الخطوة لا ترتبط كثيراً بلبنان. منذ وصوله إلى منصبه، فضل ترامب بشدة قطع المساعدات الخارجية عموماً لأن بلاده لا تحصل على دعم كاف من أصدقائها. نفذ مجلس الأمن القومي رغبته عبر تأسيس سياسة مساعدة خارجية مرتبطة أكثر برؤية "أمريكا أولاً". وكان لبنان كدول عدة أخرى هدفاً لتقليص المساعدات – واليوم لتجميدها.

مخاوف منطقية
يضيف صعب أنّ مخاوف مجلس الأمن القومي حول لبنان وحزب الله ليست غير دقيقة أو غير معقولة. يشاركه في القلق قادة بارزون في وزارتي الدفاع والخارجية والقيادة المركزية. يمتلك حزب الله أسلحة وخبرة أكبر من الجيش اللبناني ونفوذاً هائلاً في سياسات بيروت. هو وحده يقرر متى تذهب البلاد إلى الحرب أو تصنع السلام، ولديه رأي سائد في من يصل إلى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة. لكن الخلاف في الإدارة الأمريكية ليس بشأن التحدي الذي يمثله حزب الله لسياسة لبنان والولايات المتحدة. عوضاً عن ذلك، إنه حول كيفية مواجهة هذا التحدي بشكل فعال.

زاوية ضيقة
يرى البيت الأبيض لبنان من خلال الزاوية الضيقة لحملة الضغط الأقصى ضد إيران. ويبدو أنه في موقع تصديق أن وقف المساعدات للجيش اللبناني ستقنع بطريقة ما قيادتها بمواجهة حليف إيران الرئيسي. ليس هذا الأمر مبنياً على منطق خاطئ وحسب بل هو غير حذر أيضاً. لا يملك الجيش اللبناني الوسائل أو الميل أو السلطة لمواجهة حزب الله بقوة. كل ما يمكنه فعله هو تقديم نفسه للمجتمع اللبناني كبديل موثوق به عن المجموعة الشيعية وهو مسار طويل الأمد.

نجاح
تدرك قيادته أنّ أي محاولة لمواجهة حزب الله فشل فيها الجيش الإسرائيلي نفسه ستنتج احتمال العودة إلى الحرب الأهلية.

على الرغم من ذلك نجح الجيش في الوقوف أمام حزب الله عبر رفض فضّ التظاهرات وهو ما كان رغبة حزب الله طويلاً ومن خلال وقف عصاباته وعصابات حليفه الشيعي حركة أمل من الاصطدام بالمتظاهرين. ومنذ سنتين، تجاهل الجيش اللبناني المخاوف الغريبة لحزب الله من قتال داعش على الحدود وقام بعمل رائع وذلك من خلال طرد عشرات الإرهابيين من البلاد.

موقع واشنطن أضعف
يعمل الجيش اللبناني بناء على التوافق السياسي المكسور حالياً بسبب المظاهرات المستمرة ضد كامل الطبقة السياسية اللبنانية. هو لا يملك قوة مستقلة للمناورة في بيئة لبنان المعطلة وإن كانت ديموقراطية. إن اختيار إدارة ترامب معاقبة الجيش اللبناني بالرغم من أنه كان شريكاً ممتازاً في الصراع ضد داعش والقاعدة أمر محير. وهذا يضع واشنطن في موقف أضعف بكثير في إقناع القائد الجنرال جوزيف عون بعدم قبول العروض الروسية لتقديم الدعم وهي قد أتت فعلاً بأعداد كبيرة.

المفقود في البيت الأبيض
جاء تعليق المساعدات في أسوأ وقت ممكن. يحاول الجيش منع صدامات طائفية في البلاد حيث أنه بحاجة لكل المساعدة التي يمكنه الحصول عليها. إنّ جهده بحماية انتفاضة وطنية ومتعددة الأديان ضد نظام سياسي فاسد يُعد حزب الله مهندسه الأساسي، ليس سهلاً أبداً. ما هو مفقود في تحرك البيت الأبيض هو تقييم جدي للتداعيات المحتملة لمقاربته الجديدة بما فيها إمكانية وصول هشة إلى المشرق وشرق المتوسط، وموقع يصبح أضعف نسبياً في التنافس العالمي مع روسيا، واحتمال خسارة شريك عالي القدرات في مكافحة الإرهاب.

احتمالان خطران
يمكن أن يكون مجلس الأمن القومي قد أجرى تقييمه بشكل سري ووجد أنّ العواقب محمودة. كذلك، يمكن ألا يكون قد فعل ذلك وهو ببساطة غير مبال. الاحتمال الأول خطر لأن أي سياسة أمريكية تجاه لبنان لا تحمل موافقة وزارتي الدفاع والخارجية هي وصفة كارثية. الاحتمال الثاني هو أكثر خطورة بما أنه يؤشر إلى تصميم مخيف على تجربة أي شيء جديد على حزب الله حتى ولو مزق لبنان.

الجيش في الجانب الصحيح
إلى الآن، ستحفظ القيادة المركزية أثمن استثمار لها في المنطقة. إنّ التمويل المعلق لن يؤثر مباشرة على خطة تلك القيادة للبنان بما أنه لا يزال هنالك حوالي 132 مليون دولار من الأموال في البنك وهي لم تستخدم. لكن كلما طالت فترة التجميد، وبحسب التقارير هي غير محددة كما ينقل الباحث، ستصبح الأمور أخطر. ويؤكد صعب أن فكرة التعليق سيئة في جميع الأحوال. بغض النظر عن المخاطر السياسية، اختار الجيش اللبناني أن يكون إلى الجانب الصحيح من تاريخ لبنان ودعم طموحات اللبنانيين والأحرار فقوض بشكل غير مباشر بيئة سياسية نما فيها حزب الله. وختم صعب كاتباً: "يجب على واشنطن مكافأته، لا معاقبته."