القاضي الفلسطيني عبدالله غزلان (أرشيف)
القاضي الفلسطيني عبدالله غزلان (أرشيف)
الخميس 7 نوفمبر 2019 / 19:10

لعبة كراسي طويلة ومملة

بقدر ما تبدو فكرة حجب المواقع على الإنترنت ساذجة، فهي مثيرة للرثاء. وستصبح نوعاً متدنياً من الكوميديا البائسة عندما تتحول إلى قرار قضائي تتلطى خلف ديباجة القانون في بلاد تخضع للاحتلال وتقاومه، بلاد محتلة ومقسمة ومحاصرة ومهددة في هويتها، يخوض شعبها واحدة من أكثر المواجهات شراسة مع آخر استعمار احتلالي على هذا الكوكب.

جهل يتعزز عبر مواصلة الانفصال عن العالم والعجز، أو عدم الرغبة، في قراءة ما يحدث في الجوار، حيث تتدفق موجة ثالثة من موجات الربيع العربي المتلاحقة

الحقيقة أن الأمر أكثر تعقيداً من السذاجة، ويذهب بقوة نحو جهل مركب ومتعالٍ.

جهل بواقع البلاد، والتحولات العميقة التي تتدفق في المحيط وتترك أثارها على حياة الناس، ويومياتهم وتطلعاتهم.

جهل يتعزز عبر مواصلة الانفصال عن العالم والعجز، أو عدم الرغبة، في قراءة ما يحدث في الجوار، حيث تتدفق موجة ثالثة من موجات "الربيع العربي"، إذا اعتبرنا الثورات في تونس، ومصر، وليبيا، وسوريا، واليمن الموجة الأولى، والجزائر والسودان الموجة الثانية، وانتقالها في موجة جديدة إلى آسيا حيث ظهرت في لبنان، والعراق في الأسابيع الأخيرة، دون الخوض في مصائر هذه الثورات واتجاهاتها وأساليبها وخصوصية كل ثورة وابتكاراتها، إلا أنها في النهاية تشكل منطقةً واحدةً متحركةً تتبادل التأثير والخبرات، دون أن يعني ذلك استتباب الأمور هنا أو هناك.

الاهتزازات متواصلة والأرض لم تستقر بعد، وثمة في الأعماق تتهيأ موجات جديدة لتندفع في نظام خاص يصعب توقعه أو التنبؤ به.

جهل محزن في قراءة واقع الشعب الفلسطيني وتجربته وخبراته، التي يراكمها على مدى أكثر من قرن من المقاومة، كما لو أن التاريخ يبدأ لدى صاحب القرار من التاريخ المرفق على قرار تعيينه، ليس هناك تاريخ يسبق وصوله مكتبه للمرة الأولى وجلوسه خلف الطاولة، وهو يحمل قرار التعيين ويستقبل المهنئين بالثقة الغالية التي حصل عليها، وراكمها بدأب خلال مسيرته المهنية.

الجهل الذي وصل حد ملاحقة أحد ألمع القضاة الشباب في فلسطين وأكثرهم شجاعةً، القاضي أحمد الأشقر، واستدعائه إلى جلسة محاكمة أمام مجلس تأديب القضاة، لاحظ الاسم، بتهمة التعبير عن رأيه في وسائل التواصل الاجتماعي، في قضية تحولت إلى قضية رأي عام بامتياز محلية وعربية، وكشفت ثغرات واسعة في المنظومة القضائية الفلسطينية لم يعد بالامكان التستر عليها، والتي كان آخر تطوراتها الدراماتيكية اليوم الخميس، تنحي رئيس مجلس تأديب القضاة، لاحظ التسمية مرة أخرى، القاضي عبدالله غزلان عن النظر في الدعوى التأديبية ضد الأشقر، على خلفية حرية الرأي والتعبير للقضاة ولأنه، أي غزلان، يستشعر الحرج لأنه بدوره ملاحق لذات السبب، بمناسبة مقالات نشرها سابقاً ومتعلقة بالشأن العام. كما جاء على موقع الأشقر في فيس بوك.

هذا الجهل، المبني على ضعف الذاكرة والمخيلة معاً، يشمل شرائح واسعة من الطبقة السياسية الفلسطينية ويسم سلوكها، وهو ما يفسر الكثير من الغرائب والتناقضات التي تحدث في هذه البقعة من الأرض، والانفصام الذي يمكن ملاحظته بوضوح بين الخطاب السياسي الفصائلي المتداول ببلاغته المحفوظة والمتوارثة ولغته الخشبية، وبين السلوك الأمني والفصائلي، والارتجال العجيب في التعامل مع قضايا مصيرية في الشأن الوطني والمعيشي ولائحة الحقوق المدنية.

انفصام يتجاوز طرائق اتخاذ القرارات وتنفيذها ليشمل اختيار الأشخاص وتدويرهم في حلقة ضيقة من المريدين وأصحاب النفوذ، ما يشبه لعبة كراسي طويلة حد الملل.