زعيم حزب "يسرائيل بيتينا"، أفيغدور ليبرمان.(أرشيف)
زعيم حزب "يسرائيل بيتينا"، أفيغدور ليبرمان.(أرشيف)
الأحد 10 نوفمبر 2019 / 20:36

تهديد ليبرمان

مأزق غير مسبوق في التاريخ السياسي للدولة الإسرائيلية، وحالة بالغة التعقيد ذات تداعيات سياسية واجتماعية ونفسية يصعب حصرها في المدى المتوسط والبعيد

لم يعد مأزق تشكيل الحكومة في إسرائيل مثيراً ومُفاجئاً حتى في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وهذا ما يجد تفسيره في حقيقة أن التوقّعات التي صدقت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وما قبل الأخيرة، لم تتغيّر بطريقة حاسمة، وهي التوقّعات نفسها التي يمكن الاعتماد عليها في تحليل آخر تجليات المأزق، دون المجازفة بارتكاب أخطاء كثيرة.

فليبرمان، المهاجر الروسي، الذي اشتغل في وقت ما حارساً في ناد ليلي في تل أبيب، واعتمد على صلته الشخصية بنتانياهو في صعود سلّم الحياة السياسية في إسرائيل، هو بيضة القبّان اليوم، كما كان في الانتخابات الأخيرة، وما قبلها. وبالتالي، لن يتمكن أحد من تشكيل الحكومة دون موافقته، وإذا حدث ووجد نتانياهو نفسه خارج سدة الحكم، وربما وراء القضبان في يوم ما، فلن يجد صعوبة في توجيه أصابع الاتهام إلى المذكور.

وآخر تجليات مركزية ليبرمان في المشهد السياسي، وقدرته على المناورة والابتزاز، وإدراكه لحقيقة ما بين يديه من أوراق، الإنذار الذي وجهه قبل أيام قليلة لزعيمي الحزبين الكبيرين أبيض ـ أزرق والليكود، أي لغانتس ونتانياهو: إذا فشل الطرفان في تشكيل حكومة ائتلاف استناداً إلى الصيغة التوافقية التي طرحها رئيس الدولة، فإنه سينحاز إلى الطرف الذي وافق على الصيغة ضد الطرف الذي أفشلها، لتمكينه من تشكيل الحكومة.

يكتسب هذا التهدد أهميته من حقيقة أن عشرة أيام، لا غير، هي كل ما تبقى من وقت لدى غانتس، رئيس تكتل أبيض ـ أزرق لتشكيل الحكومة بعد فشل نتانياهو في المهمة نفسها، وإذا فشل سيذهب الإسرائيليون إلى انتخابات برلمانية ثالثة في عام واحد.

وبالقدر نفسه، يكتسب التهديد أهميته من حقيقة أن انحياز ليبرمان لهذا الطرف أو ذاك يمكّنه فعلاً من تشكيل حكومة تحظى بالموافقة في الكنيست. ومع ذلك، فإن المشكلة تتمثل الصيغة التوافقية التي طرحها رئيس الدولة، في الشروط التي يحاول ليبرمان فرضها على مفاوضي تكتل أبيض ـ أزرق والليكود للخروج من مأزق تشكيل الحكومة.

صيغة رئيس الدولة أن يشكّل تكتل أبيض ـ أزرق والليكود حكومة ائتلاف وطنية، وأن يتناوب غانتس ونتانياهو على رئاسة الحكومة. ورغم أن التكتل رفض فكرة الانضمام لحكومة برئاسة نتانياهو، إلا أنه أظهر نوعاً من المرونة، في هذا الجانب، شريطة استقالة نتانياهو من رئاسة الحكومة في حال بدء محاكمته بتهم الفساد، وهذا ما رفضه ممثلو نتانياهو في مفاوضات تشكيل الحكومة، فلا يوجد، في نظرهم، ما يلزم نتانياهو بالاستقالة طالما لم تدنه المحكمة بصورة نهائية وقاطعة.

وتتمثل الصيغة التي ضمّنها ليبرمان تهديده الأخير في قبول تكتل أبيض ـ أزرق للتناوب على رئاسة الحكومة مع نتانياهو شريطة تخلي الأخير عن تحالفه مع أطراف المعسكر الديني والقومي المتطرّف، والتعهّد بالاستقالة من رئاسة الحكومة في تعذّر عليه القيام بمهام منصبه لأسباب تتعلّق بظروف محاكمته بتهم خيانة الأمانة والفساد.

وكما كان متوقعاً، سارع نتانياهو إلى انتقاد ليبرمان، والتشكيك في صيغته التي تعني في حال انحيازه إلى تكتل أبيض ـ أزرق الاعتماد على دعم النوّاب العرب في البرلمان للحكومة المُنتظرة. وهذه، في نظر نتانياهو، حالة غير مسبوقة، ودليل خروج ليبرمان على القيم الصهيونية، وتقاليد السياسة الإسرائيلية.

وفي سياق كهذا يمثل تهديد ليبرمان هدفاً لمماحكات ومفاوضات مختلف القوى السياسية على مدار عشرة أيام لاحقة. وبقدر ما يُسهم في فتح نافذة صغيرة للخروج من المأزق، فأنه يفتح نافذة أكبر تطل على مشهد دورة انتخابية ثالثة قد لا تكون حاسمة، أيضاً، على غرار دورتين سابقتين.

والخلاصة: مأزق غير مسبوق في التاريخ السياسي للدولة الإسرائيلية، وحالة بالغة التعقيد ذات تداعيات سياسية واجتماعية ونفسية يصعب حصرها في المدى المتوسط والبعيد. وقد تستدعي محاولة الخروج من المأزق إعادة هيكلة للنظام السياسي الإسرائيلي برمته. ويبدو أن هذا ما يُراود ليبرمان، ويحلم بتحقيقه، إذا جمع كل أوراق اللعبة السياسية في يده.