الأربعاء 20 نوفمبر 2019 / 12:18

ترامب ليس جاداً في قراره سحب القوات من الشرق الأوسط

رأى دانييل ديبيتريس، كاتب عمود لدى صحيفة "واشنطن إكزامينر"، ومساهم في تحرير موقع "ناشونال إنتريست"، إلى أن ترامب تصرف بصراحة مفرطة، وبدا كسياسي عازم على إجراء تحولات كبيرة في الولايات المتحدة عبر خفض الضرائب وزيادة فرص العمل، وتحسين الاقتصاد، وتقليل اللوائح الفيدرالية مع إصلاح شامل لنظام الهجرة إلى بلاده.

ثبت أنه كان من الصعب على ترامب أن يقف في مواجهة سيل من الانتقادات تلقاها عبر شاشات التلفزة وافتتاحيات الصحف، ووسائط التواصل الاجتماعي

ولكن أبرز التزام قدمه خلال حملته، كان انسحاب الولايات المتحدة من حروب مكلفة لا تنتهي وهيمنت على السياسة الخارجية لمدة عشرين عاماً تقريباً. وبما عرف عنه من لغة خشنة طيلة 40 عاماً من عمله في تجارة المقاولات في مانهاتن، هاجم ترامب حرب العراق بوصفها "أكبر خطاً"، وانتقد بشدة مرشحين جمهوريين آخرين (مثل جيب بوش) ممن لم يكونوا مستعدين للاعتراف بذلك. وندد بحماقة قادة أمريكيين لاستمرارهم في تبديد عشرات المليارات من الدولارات في أفغانستان، وصرح منذ 2012، بأنه آن الأوان لانسحاب القوات الأمريكية من ذلك البلد.

وواصل ترامب الحديث عن هذا الأمر عندما تسلم السلطة، ووصف حرب العراق بأنها كانت كارثية، وأن أفغانستان كان بمثابة مضيعة مأساوية لأرواح أمريكيين، وكانت سوريا أرض "رمال وموت"، وأن حملات بناء دولة في الشرق الأوسط كانت نكتة محزنة.

حرب العراق لم تكن ضرورية
ويلفت كاتب المقال إلى أن خطاب ترامب كان بمثابة تنشق هواء نقي بالنسبة لمعظم الأمريكيين، بمن فيهم قدامى المحاربين الذين أمروا بالتحقيق في تلك الحملات العسكرية. وسواء اتفق معه بعضهم أو عارضوه، ورد في تفسير ترامب للأحداث شيئاً من الحقيقة. وكشف مركز بيو للأبحاث في يوليو(تموز) الماضي، أن 64 % من قدامى المحاربين، و62% من عموم الشعب الأمريكي لا يعتقدون أن الحرب في العراق كانت ضرورية. كما تبين أن أغلبية ساحقة من كلا المجموعتين لديهم نفس الاعتقاد بشأن الحرب في أفغانستان، وهي فعلياً أطول حرب في تاريخ أمريكا، وكلفت قرابة تريليون دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، فضلاً عن مقتل عشرات الآلاف من الأمريكيين خلال مدة 18 عاماً.

خطاب غير واقعي
لكن، حسب الكاتب، لا يتطابق خطاب ترامب مع الواقع. وفيما يواصل حملته لتقليص حجم الاستثمار الأمريكي في التشابكات الخارجية، وتخفيف العبء عن كاهل واشنطن، تتواصل حروب ومشاركة أمريكا فيها كأنها عجلة تدور وتدور بلا نهاية. وتبدو جميع تلك الحملات العسكرية وكأنها تعمل وفق طيار آلي، بغض النظر عن كلفتها وعدم جدواها، وهي ببساطة تبدو أكثر ملاءمة لصانعي قرار في واشنطن يريدون الحفاظ على وضع راهن.

والمؤسف، برأي الكاتب، يتعرض ترامب لخطر شديد بأن يصبح عضواً في مؤسسة السياسة الخارجية التي يحتقرها بشدة. وكما قال آندرو باكيفيتش، رئيس مؤسسة كوينسي، لا يتعدى اشمئزاز ترامب من الوضع الراهن للسياسة الخارجية "أبعد من كونه مجرد ضوضاء" كما أن انسحابات قواته لا تعدو كونها إعادة تموضع.

أوضح مثال
ويرى الكاتب أن الوضع في سوريا يقدم أكبر مثال على صحة رأيه. فقد أعلن ترامب للعالم، في ديسمبر(كانون الأول) 2018، أن الجنود الأمريكيين يحزمون حقائبهم وهم عائدون إلى وطنهم بعد أربع سنوات من مشاركتهم في عملية عسكرية ضد داعش. ولكن لم يكد يمضي أقل من ساعة، حتى انُتِقد البيت الأبيض بشدة من قبل معظم العاملين في الكابيتول هيل، ومعهم مسؤولون سابقون في الأمن القومي، ومحللون في مؤسسات فكرية. واستقال احتجاجاً على قرار ترامب كل من وزير دفاعه جيم ماتيس ومعه بريت ماكغورك، مبعوث الإدارة في الحرب ضد داعش. كما سارع السيناتور ليندسي غراهام للظهور عبر شاشات التلفزة في محاولة لثني ترامب عن قراره. ونجحت تلك الحملة من الضغط على ترامب.

وما إن أعلن الرئيس الأمريكي، قبل ثلاثة أسابيع، عن عزمه على سحب القوات الأمريكية من سوريا، حتى أسرع ليندسي غراهام ومعه الجنرال المتقاعد جاك كين، حاملين خرائط، وقالوا لترامب إن ترك حقول النفط السورية للإيرانيين والروس أشبه بتسليم مفاتيح المنطقة لأعداء أمريكا. وفي الواقع، ثبت أنه كان من الصعب على ترامب أن يقف في مواجهة سيل من الانتقادات تلقاها عبر شاشات التلفزة وافتتاحيات الصحف، ووسائط التواصل الاجتماعي.

ويختم الكاتب بأنه نتيجة لكل تلك التطورات، يزيد اليوم عدد من يوجد من القوات في سوريا ما كانوا عليه قبل إعلان ترامب عن الانسحاب المزيف. وعلاوة عليه تستمر الحرب في أفغانستان رغم نفور الرئيس المفترض من ذلك الصراع.