مسلحون من حركة الجهاد في غزة (أرشيف)
مسلحون من حركة الجهاد في غزة (أرشيف)
الأربعاء 20 نوفمبر 2019 / 19:30

في غزة والضفة ... السلطة أولاَ

أظهرت عملية تصفية بهاء أبو العطا وردود الأفعال عليها، أن إسرائيل وحماس غيرتا قواعد اللعب، ففي هذه المرة لم تُحمل إسرائيل حماس مسؤولية الأعمال الحربية التي تنطلق من غزة، ولم تضرب أي هدف لحماس ما جعل الجهاد الإسلامي وحيداً في الميدان، وهذا التطور أضعف الجهاد كثيراً ودفع قادته لأن ينهوا العملية بسرعة تحت غطاء رقيق من شروط تحفظ ماء الوجه، دون أن تحدث تغييراً ذا شأن في الموقف الإسرائيلي.

لجهاد الإسلامي يعتبر نفسه خُذل في معركة أبو العطا والتي سمتها إسرائيل "الحزام الأسود" ما وضعه بين نارين لا قبل له بتحملهما بمفرده، نار الشراسة الإسرائيلية في العدوان، ونار العزلة عن الحلفاء

موقف حماس وسلوكها في هذه المعركة أملته حسابات تتصل بمصالح سلطتها في غزة، وعلاقتها بملايين المواطنين الذين هم رعاياها، فلو تدحرجت عملية تصفية أبو العطا لتتطور إلى حرب تدميرية واسعة، فإن ما سينجم عن هذه الحرب، تصفيات لعدد من قادة، ونشطاء حماس مع دمار أوسع نطاقاً من كل ما سبق، مع إعادة رهانات التهدئة إلى نقطة الصفر، ما يحمل غزة أكثر مما تحتمل من الصعوبات الحياتية التي تؤدي بالتراكم إلى اتساع دائرة الرفض الشعبي حد النزول إلى الشارع، ولأن حركة حماس تختلف جذرياً مع الجهاد في أمر التعامل مع أوسلو، ذلك أن الأولى تعتزم خوض الانتخابات العامة القادمة، بينما الثانية ترفض الحكاية جملة وتفصيلاً، فما الذي يدعو حماس إذاً، إلى الجري وراء خسارة محققة جراء معركة لم تبادر بها ولا تراها مقبولة عند الجمهور، الذي ربما يتوجه إلى صناديق الاقتراع في الربيع القادم.

الجهاد الإسلامي يعتبر نفسه خُذل في معركة أبو العطا، والتي سمتها إسرائيل "الحزام الأسود" ما وضعه بين نارين لا قبل له بتحملهما بمفرده، نار الشراسة الإسرائيلية في العدوان، ونار العزلة عن الحلفاء، وحتى الغالبية العظمى من الجماهير التي خسرت في يومين عشرات القتلى ومئات الجرحى، ولم يكن عداد الدم ليتوقف دون استجابة سريعة من الجهاد لمقترحات التهدئة، ووقف النزيف.

أعجبني وصف أحد المراسلين حين أظهر التشابه بين سلطة فتح في الضفة، وسلطة حماس في غزة، في مجال الحسابات والسياسات تجاه إسرائيل، واذا كان هنالك اختلاف فهو في القشور، وليس في الجوهر.

حسابات حماس السلطوية أقامت حاجزاً مرتفعاً بينها وبين حليفها الأول في غزة، جنبها دفع ثمن معركة لا تريدها، وحسابات السلطة في الضفة جعلها تتوغل في التنسيق الأمني مع إسرائيل، إذ لا مصلحة لها في الغائه بما يحمله ذلك من مضاعفات خطرة، والخلاصة، في غزة كما في الضفة، تغلبت حسابات السلطة والحكم، على كل الاعتبارات التي كانت تبدو مبدئية خاصةً في مجال المقاومة بشقيها السلمي والحربي.

لا أدين ذلك ولا حتى انتقده لأن الناس يريدون التهدئة، ويريدون وقف نزيف الدم من أجساد أبنائهم، ويريدون أقل شروط الحياة الآدمية، بعد أن منعت عنهم سنوات طويلة، ويريدون كذلك الخلاص من مسلسل تدمير البيت، والسكن على أنقاضه، وحين يُبنى ثانية بالحد الأدنى فقدره أن ينتظر التدمير القادم.

الحياة بأبسط مقوماتها ليست هكذا، ولا كسب المعارك الكبرى يتم بغير حسابات تستقطب الناس ولا تنفرهم وتخيفهم.

بين يدي كل جولة قتالية والجولة التي تليها، ينتظر الغزيون بفارغ الصبر قدوم وفد مصري لينجز التهدئة، ويوقف النزيف، وينتظرون مع ذلك المئة دولار البائسة التي تبعد عنهم خطر الموت جوعاً، فهل بهذه المعادلة ينجز تحرير واستقلال؟.

الفلسطينيون في كل زمان ومكان يجمعون على رفض الاحتلال ويلتزمون بهدف الحرية والاستقلال، وهم على استعداد دائم للتضحية بأغلى ما لديهم في هذا السبيل وقد فعلوا، اذاً الحكاية ليست في مبدأ رفض الاحتلال والعمل على إنهائه بل هي في الوسائل والحسابات التي لن يفوز شعب إلا إذا أحسن اختيارها وأدائها، فليجلس القوم مع أنفسهم وليراجعوا أعمالهم ونتائجها، وليتفقوا على أفضل السبل وأكثرها قدرة على بلوغ الهدف، وهذا ما نريد رؤيته بعد كل ما حدث.