"سجادة السلام" في "فن أبوظبي" (أرشيف)
"سجادة السلام" في "فن أبوظبي" (أرشيف)
الإثنين 25 نوفمبر 2019 / 00:56

سجادة سلام من أبوظبي

كانت مبادرة "سجادة السلام" في مواجهة "سجادة الحرب" لأن الفكر العفن يحارب بالفكر الناضج، والفن الرديء بالفن الرفيع

دخل الاتحاد السوفيتي أفغانستان عام 1979، وخرج منه عام 1989 خاسراً أو شبه خاسر. اعتبر الأفغان أنفسهم منتصرين أو ربما كانوا شبه منتصرين. فقد بدأت مرحلة أمراء الحرب، ثم كانت مملكة الحرب العظمى بأمير من طالبان صاهره عرابو الإرهاب فأصبح الحرب صناعة أفغانية قابلة للتصدير. لقد وصلت إلى القارات البعيدة فجاء الأمريكان إلى أفغانستان عام 2001. وإلى يومنا هذا ما زالوا في مرحلة شبه النصر وشبه الخسارة.

المتضرر الذي خسر بالتأكيد، هو الشعب الأفغاني، رجاله ونساؤه وأطفاله، بل وتراثه وثقافته وفنه. فليس أبشع من أن يتحول التقليد الثقافي والفن إلى رسول حرب. هذا ما حدث، والدليل على ذلك التقليد البشع الذي كان يتفنن فيه الحرفيون المهرة والنساجون الخبراء، حين كان منتوجهم الأشهر الذي يسوقونه في العالم، ويعيشون عليه هو سجادة الحرب.

سجادة منسوجة بألوان الطبيعة الأفغانية الجميلة، لكن الأشكال التي تزينها ليست إلا طائرات حربية ودبابات عسكرية وأسلحة ثقيلة وخفيفة وجنود يحملون سلاحاً ويقتلون بعضهم بعضاً. لم يصنع الأفغان في زمن الحرب سواها، ولم تدخل البيوت الأفغانية غيرها. حتى لقد وصل الأمر إلى تسجيل لحظة الهجوم الإرهابي على برجي التجارة العالمي في سجاد أفغاني تنافس فيه النساجون بفخر وزهو.
حركة طالبان التي حاربت الفن، ورغبت الناس في الزهد والتقشف، غضت الطرف عن هذه الصناعة وسمحت للناس بالعمل عليها، بل وشجعت ذلك لأنه يحقق رسالتها في العنف.

ومن العجب أن العالم الذي يهتم بالثقافة والتراث المعنوي والمادي لم يلتفت إلى هذه الظاهرة إلا تسجيلاً ومتابعة، دون أن يسجل جهداً في التغيير، أو يبذل من أجل تغيير هذا الوجه القبيح للفن.

التغيير في الفن يأتي من فن أبوظبي. فكانت مبادرة "سجادة السلام" في مواجهة "سجادة الحرب" لأن الفكر العفن يحارب بالفكر الناضج، والفن الرديء بالفن الرفيع. جاءت مبادرة "سجادة السلام" كأبرز وأميز عمل فني في الدورة الحادية عشرة من معرض "فن أبوظبي".

مشروع أطلق بمبادرة من سمو الشيخة فاطمة بنت محمد بن زايد آل نهيان، في عام 2014، ويحمل رسالة إنسانية راقية، ويوظف المهارات التقليدية لصناع السجاد في مواجهة حضور مفردات الحرب، وتشجيعهم على نسج رؤيتهم للسلام، وإشراك المرأة الأفغانية في العمل اليدوي، والفكري الذي ينهض بالفن والمجتمع.

تصميمات سجادة السلام خلت من جنود الحرب وأدواتها، وظهر فيها ميزان العدالة، وقطعان الماشية، وطلاب المدارس.
إنها سجادة سلام من أبوظبي ممتدة إلى كابول، وأبعد.