جزيرة فورموزا (أرشيف)
جزيرة فورموزا (أرشيف)
الثلاثاء 26 نوفمبر 2019 / 20:27

غرفة تبديل الخرافة

عندما تريد خداع أحد ما، عليك أن تبحث عن البيئة الخصبة في عقله الباطن

في مطلع القرن الثامن عشر، جاء شاب غريب إلى لندن، كان يُسمي نفسه باسم "جورج سالمانزر"، انتشرت بين أهل لندن أحاديثه وذكرياته وحكاياته عن جزيرة فورموزا التي تُعرف اليوم باسم تايوان، وصارت حكاياته حديث الناس والمجالس، وتعاقدت مع "سالمانزر" جامعة أوكسفورد لتدريس لغة أهل تايوان في أروقة الجامعة، وتم تكليفه بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة التايوانية. كتب سالمانزر كتاباً عن فورموزا حقق أعلى المبيعات في ذلك الوقت، وأضحى ضيفاً دائماً في البلاط الملكي للحديث عن غرائب وعادات أهل تايوان.

بعد وفاته، تم قراءة وصيته على الناس، أعلن أنه رجل فرنسي يمتلك خيالاً خصباً، وكل ما قصّه عن فورموزا كان من بنات أفكاره، مما يعني أن كرسي الجامعة وكتبه الروائية وقصصه الفانتازية ما هي أكثر من شهادات مزورة لا تمت لواقع أهل تايوان بصلة، والتي لو سمع بها أهل تايوان في ذلك الوقت لأرسلوا رسالة استنكار شديدة اللهجة إلى الشعب الإنجليزي، واستدعوا سفيرهم في لندن من أجل التشاور، فقد أدخل النصّاب التراث التايواني المُزور إلى الجزيرة الإنجليزية، ولم يكتف بذلك، بل جعل له كرسياً أكاديمياً في الجامعة، وجهّز للشعب التايواني كتاباً مقدساً مترجماً من أجل حملات التبشير القادمة.

سبب انطلاء الحيلة على أهل لندن -بحسب روبرت قرين- هو تمكن سالمانزر من استغلال جهل الإنجليز بهذه البلاد التي لا يعرفون عنها شيئاً، فألف لهم قصة تُشبع رغبتهم بالمغامرة واكتشاف العجائب، وقد وفرت له قسوة المجتمع الإنجليزي الجامدة والصامدة -ضد الأحلام والقيم الغريبة- بيئة خصبة للتلاعب بخيالهم.

عندما تريد خداع أحد ما، عليك أن تبحث عن البيئة الخصبة في عقله الباطن. من يعتقد أن العالم تديره حكومة شيطانية خفية، سيسهل تمرير قصة عرش إبليس المتربع في مثلث برمودا عليه. من يعتقد أن شركات الأدوية تبيع أوهام، سيسهل تمرير قصة خرافة مرض الإيدز عليه، ثم إقناعه بتناول البطاطا الحلوة لعلاج الفيروسات، من يعتقد أن الأبراج تؤثر على المزاج والحظ، سيسهل قرع رأسه بالمطرقة ثم التحجج عليه بأن ذلك هو قدره السيئ الذي قاد لجمع أصحاب برج الثور مع أصحاب برج العقرب.

نقطة ضعف الإنسان هي تلك الغرفة الخفية التي تبدل فيها الخزعبلات لثيابها لتتقمص هيئة الحقيقة، لا يوجد خرافة تقول عن نفسها أنها خرافة، فلكي تخطف قلوب الناظرين لها لابد أن تضع زينة ساحرة آسرة لألباب المستعدين للاستحواذ عليها.