ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد يقبل جبين الطفلة عائشة (أرشيف)
ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد يقبل جبين الطفلة عائشة (أرشيف)
الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 / 20:00

الإنسانُ … مفتاحُ السر في دولة الإمارات

لهذا هي الإمارات. لأن (الإنسانَ) وبناءه هو مفتاح السر في تلك المعجزة الحضارية المُسمّاة "دولة الإمارات العربية المتحدة”. في عيدها الوطني الثامن والأربعين هذه الأيام، أقول لها بكل فخر بوجودها: "كل عام وأنتِ يا إماراتُ ملءَ الحضارة وملء التحضر".

انتبه الشيخُ الحاكم لليد التي تجاوزتها المصافحة. قبل حلول المساء كان الحاكمُ يطرق بابَ الطفلة ليصافحها ويُقبّل جبينَها ويقبّل يدها الصغيرة

طفلة صغيرة ركضت من مكانها المرسوم لها سلفاً في طابور الأطفال الذين اصطفوا على الجانبين حول البساط الأحمر، ليصافحوا ضيف الإمارات، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رفقة المُضيف الشيخ محمد بن زايد.

ركضت الطفلة من مكانها، في صف مصافحي الضيف السعودي، إلى الصف الآخر حتى تتمكن من مصافحة المُضيف الإماراتي: الشيخ محمد بن زايد. ولكن اليدَ الصغيرة ضاعت وسط الأيادي الصغيرة الكثيرة التي صافحها الشيخ محمد بن زايد، فلم ينتبه لليد الممدودة له بالحب. حزنت الطفلة وسحبت يدها النحيلة، وانتهى المشهد في جزء من الثانية. ولكن كاميرا ذكية التقطت المشهد. وانتبه الشيخ لليد التي تجاوزتها المصافحة. قبل حلول المساء كان الشيخ يطرق باب الطفلة ليصافحها ويُقبل جبينها، ويدها الصغيرة. هنا درس إنساني بالغ الجمال.

لوحة تشكيلية رسمها القدر ببراعة، ورسمتها الأخلاق الكريمة التي تعرف هول أن ينكسرَ قلب. كان بوسع الشيخ نسيان الأمر تماماً، ذلك أن الكاميرا بينت بجلاء أنه لم ينتبه ليد الصغيرة، ولم يتعمد تجاهلها، وبالتالي فلا عتب عليه.

وكذلك كان من العسير على المُضيف، والضيف أن يصافحا جميع الأطفال المحتشدين على الجانبين. فاصطفاف الأطفال للتحية، ومصافحة الرجلين للأطفال كان مجرد رمز غير مُلزم. فالجزء يعبر عن الكل. ومصافحة طفلة وطفل، كان بمثابة مصافحة جميع الأطفال.

ولكن الشيخ المثقف، اهتم بالصحة النفسية للطفلة التي لن تدرك كل ما سبق، إنما  سيترسبُ في أعماقها أنها لم تحظ بالمصافحة كما حظي بها غيرها من الأطفال. ورغم مشاغله، لم ينم ليلته إلا بعدما أرضى الطفلة الصغيرة التي ستنشأ نشأة صحية وتعلمت أن حكام بلدها يهتمون بكرامة الإنسان وينشغلون ببنائه، قبل الاهتمام ببناء ناطحات السحاب.

لهذا يزداد يقيني يومًا بعد يوم بأن كتابي عن الإمارات: "إنهم يصنعون الحياة - بناء الإنسان في الإمارات" الصادر بالقاهرة في يناير 2018، ونفدت عدة طبعات منه، لم ينته بعد. ولن ينتهي أبداً في الأغلب. لأن مواقف وأحداثاً وإنسانياتٍ تحدث كل يوم على تلك الأرض الطيبة، تؤكد وتُكرس فكرةً أساسية، أو لنقل نهجاً ثابتاً لا يتغيّر في الإمارات، هو الاهتمام بالإنسان، وبناؤه، والاستثمارُ فيه. حُكام دولة الإمارات يؤمنون بأن معجزة الله الكبرى على هذا الكوكب، وهو الإنسان، هو الأجدر والأجدى بالاستثمار فيه. لأنه ببساطة هو الذي سيصنع كل ما عداه من استثمارات، في الحضارة، والصحة، والتعليم، والاقتصادن والسياسة، والمجتمع، والتشييد، والإنماء. الإنسانُ هو "الفاعل" الأوحد لفعل "الحضارة".

فإن كان نشدانك هو الحضارة، فيجب ألا تغيب عيناك عن فاعلها، الإنسان. وذاك هو المبدأ الرفيع الذي وضعه خالد الذكر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قبل ثمانية وأربعين عاماً، يوم فكر في إنشاء ذلك الاتحاد الفيدرالي المتحضر، دولة الإمارات العربية المتحدة، وسار ويسير عليه حتى اليوم أبناؤه وآله جميعاً.

لهذا تحضرت الإمارات، وتتحضر يوماً بعد يوم، حتى أنشأت وزارة مهمتها قياس سعادة المواطن، والوافد كذلك، حتى تقرع جرسَ إنذار إن أصاب المجتمعَ مس من تعاسة، ووزارة مهتمها التسامح، حتى تقرع جرس إنذار إن طاف طيف الطائفية في سماء بلادهم، وجاءوا بخبراء تربويين في التعليم لتنقية المناهج الدراسية من أي شوائب طائفية أو عنصرية تهدم النشء، وشيدوا على الأرض المسلمة الطيبة جوار مساجدها وجوامعها، كنائسَ لجميع الطوائف المسيحية، ومعبداً بوذياً، ومعبداً هندوسياً، تأكيداً لمبدأ إسلامي وإنساني راقٍ ومتحضر هو احترام الإنسان، لأنه إنسان، واحترام حقّه في حرية العقيدة وحرية ممارسة شعائر دينه "لكم دينكم وليَ دين"، سورة الكافرون.

في عيدكم الثامن والأربعين، طوبى لكم يا شعب الإمارات العزيز بدولتكم الحضارية البهية. عاش زايد خالداً عصياً على النسيان، وبارك فيمن سار على خُطاه.