فلسطيني قبالة مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية (أرشيف)
فلسطيني قبالة مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية (أرشيف)
الثلاثاء 3 ديسمبر 2019 / 20:08

ما بعد قضايا الحل النهائي

بعد مرور ما يزيد عن ربع قرن على دخولها الصاخب الى قائمة المصطلحات السياسية تتهيأ "قضايا الحل النهائي" لخروج هادئ من القاموس السياسي إيذاناً بدق المسمار الأخير في نعش اتفاق أوسلو، وإسدال الستار عليه ليضاف إلى تراكم نكسات ما عُرف بالمشروع الوطني الفلسطيني.

شرعنة الخارجية الأمريكية للمستوطنات مؤشر آخر على تجاوز الشروط والمبررات التي أتاحت تداول مصطلح اقترن مع استئناف مفترض لمفاوضات تضع اللمسات النهائية على تسوية القضية الفلسطينية

إضفاء الخارجية الأمريكية الشرعية على المستوطنات مؤشر آخر على تجاوز الشروط والمبررات التي أتاحت تداول مصطلح اقترن مع استئناف مفترض لمفاوضات تضع اللمسات النهائية على تسوية القضية الفلسطينية. ففي إعلان مايك بومبيو الذي كان متوقعاً، ما يحسم جزئية المستوطنات لصالح الجانب الإسرائيلي.

سبق الاعتراف بالشرعية ارتباك إقليمي ودولي أحدثته صدمة اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإعلان نقل السفارة الأمريكية إلى المدينة.

بين الإعلانين الأمريكيين جاءت الخطوات المتلاحقة لتفريغ وظيفة "الاونروا" من محتواها بتعميق أزمتها المالية، وتشويه صورتها لتظهر عقبة تعترض القضية الفلسطينية تمهيداً لإحالة مهامها إلى منظمات دولية أخرى.

فائض المكابرة على الخطوات الأمريكية المتلاحقة والتقليل من شأنها، لا يمحو آثارها، أو يحول دون مضاعفاتها، رغم تجنب إدارة ترامب إعلان سياق مكتمل لتصورات مغايرة لنمطية الحل الذي يجري الحديث حوله منذ عقود.

يقابل الحديث عن ضعف منظور في إمكانية تأطير خطوات إدارة ترامب، استناد السياسة الأمريكية الى أمر واقع كرسه الاحتلال على الأرض، و زوابع الجدل التي تنال من المفاهيم العارية، وضيق الهامش الذي يتحرك فيه خصوم واشنطن، وعمق أزماتهم الداخلية التي تحول دون قدرتهم على التفاعل مع الأحداث.

تهديد رام الله بمقاضاة بومبيو وتحريكها المظاهرات الاحتجاجية في الضفة والشتات، لا يخفي تحول سلطتها الى سلطتين، أو إضفاء شرعية على المستوطنات حين وافقت على حراسة الاستيطان بموجب تفاهمات التنسيق الأمني، ولا يقلل من أهمية اتهامات متداولة بتورط مسؤوليها في تسريب عقارات مقدسية للإسرائيليين، والتحولات التي طرأت على اللجوء الفلسطيني، وأولويات اللاجئين على ضوء نموذج الحكم الذي قدمته السلطة الفلسطينية، وتهميش منظمة التحرير وصفتها التمثيلية.

أوضاع الحواضن التقليدية للفلسطينيين ليست أفضل من أوضاعهم في ظل الأزمات التي يواجهها المحيط العربي، والاستخدامات الإقليمية لقضاياه في تصدير الأزمات وتنفيس الاحتقانات وإيصال الرسائل.

ينتهي التوسع في قراءة السياسات والحسابات الإقليمية إلى مناخات الحرب الباردة المصاحبة لمتغيرات دولية أكثر تعقيداً، يصعب على أطرافها في حال التحول إلى أقطاب، مكافأة المهزوم، ومعاقبة المنتصر في صراعات المنطقة.

صعوبة التعامل مع مصطلح "قضايا الحل النهائي" القادم من عتمة دهاليز أوسلو، واستحالة العودة إلى ما قبله، تفرض على الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية بذل جهد أكبر للخروج من حالة التكلس الذهني، والبحث عن مفاهيم، وآليات جديدة تصلح للتعاطي مع مرحلة ما بعد المصطلح الذي وفر غطاءً لتهويد ومصادرة أراضي الضفة الغربية، مع الأخذ بعين الاعتبار متغيرات ربع قرن مضى في فلسطين التاريخية، ومخيمات اللجوء وما انتهت إليه الحروب الإقليمية، والتحولات الدولية، وضرورات الاعتراف بفشل الرهانات.