ليوناردو دي كابريو وبراد بيت في "حدث ذات مرة في هوليوود" (أرشيف)
ليوناردو دي كابريو وبراد بيت في "حدث ذات مرة في هوليوود" (أرشيف)
الأربعاء 4 ديسمبر 2019 / 20:10

سينما كوينتين تارانتينو

أجمل مشاهد فيلم "حدث ذات مرة في هوليوود"، هي مشاهد الممثل براد بيت. ينطلق كليف بوث بسيارته عائداً لبيته، بعيداً عن عقارات هوليوود الفاخرة. الطريق ينسحب تدريجياً إلى عالَم فقير. مقطورة متهالكة في أرض ترابية واسعة

في فيلم "حدث ذات مرة في هوليوود"، Once Upon a Time In Hollywood، للمخرج كوينتين تارانتينو 2019، هناك حكايتان دراميتان، لا تمتزجان طوال أحداث الفيلم الطويل، الذي يستغرق أكثر من ساعتين ونصف الساعة في زمن العرض، وقرب النهاية، تمتزج الحكايتان الدراميتان بشكل سريع، وكأن سيناريو الفيلم لم يستطع قبل النهاية، تجسيد الصراع بين الحكايتين الدراميتين. يبدو أن تارانتينو كان يوازن بين فيلمين، وفي آخر لحظة، ولعجز الاختيار، دفع بالفيلمين معاً في فيلم واحد.

هناك خدعة تقنية يعرفها السينمائيون، وهي إذا لم يكن لديك صراع حقيقي بين خطين دراميين، فلا بديل أمامك سوى المونتاج المتوازي، هكذا فعل كوينتين تارانتينو بين الحكايتين الدراميتين في فيلم "حدث ذات مرة في هوليوود".

هناك أيضاً معضلة جمالية، وهي كلما أسرف تارانتينو في استخدام المونتاج المتوازي، كلما صعبت عليه نقاط التقاطع بين الحكايتين الدراميتين. تتقزم نقاط التقاطع بين الحكايتين الدراميتين إلى نقطتين هزيلتين، واحدة في أول الفيلم، وثانية في نهايته.

الحكاية الدرامية الأولى، حكاية واقعية، مأساوية، هزت هوليوود بعنف في 9 أغسطس (آب) 1969، وهي مقتل الممثلة شارون تيت، زوجة المخرج رومان بولانسكي، على يد مُريدي، أو عصابة، تشارلز مانسون، زعيم الهيبي.

والحكاية الدرامية الثانية، حكاية خيالية عن ممثل تلفزيوني، متوسط القيمة، طموحه أكبر من قدراته، اسمه ريك دالتون، يُجسده الممثل ليوناردو دي كابريو، وممثل بديل، لا يطمح إلى شيء، مع لمسة ترفع ونُبل، اسمه كليف بوث، يؤدي المشاهد الخطيرة بدلاً عن ريك دالتون، ويُجسده الممثل براد بيت.

السبت 8 فبراير(شباط) 1969، قبل مقتل شارون تيت بستة أشهر، يقول الممثل آل باتشينو في دور شوارز، وكيل أعمال الممثلين، والخبير في لعبة الصعود والهبوط الهوليوودي، نصيحةً للممثل ريك دالتون: "لا تجسد دور الشرير دائماً في عروضك التلفزيونية، لأنك لن تفوز بمعركة واحدة في نهاية أي عرض. ريك من سيبرحك ضرباً الأسبوع القادم؟ عليك الذهاب إلى روما، والعمل في أفلام الويسترن الإيطالية، وهناك ستفوز بكل المعارك".

ينفعل الممثل ريك دالتون، ويشعر بنهاية مسيرته المهنية، ويبكي على كتف صديقه، وبديله، وراعي أعماله المنزلية، كليف بوث. كليف الهادئ يرى أن العمل في أفلام الويسترن الإيطالية، لا يمثل فشلاً في مسيرة ريك المهنية، بينما يرى ريك دالتون أن عمله في أفلام الويسترن الإيطالية، الرديئة، الهزلية، علامة على الفشل. يرد عليه كليف بوث الرد العاقل: "كم شاهدت من هذه الأفلام، واحداً؟ اثنين؟" يرد ريك دالتون بعصبية: "شاهدتُ ما يكفي. يقصد شاهدت ما يكفي للحكم عليها دون استثناء".

حكم القيمة المتعجرف لدى الممثل ريك دالتون من الممكن نظرياً، نقله إلى ذوق المخرج كوينتين تارانتينو، الشخصي، الذي يتجاوز بوقاحة، اسم ملك أفلام الويسترن الإيطالية المخرج العظيم، سيرجيو ليوني، صاحب فيلم "حدث ذات مرة في الغرب" 1968.

إن جاذبية عنوان فيلم يبدأ بـ "حدث ذات مرة في ..."، الممهور بتوقيع سيرجيو ليوني، ربما هي التي جعلتْ المخرج كوينتين تارانتينو، يطلق على أحدث أفلامه "حدث ذات مرة في هوليوود".

تارانتينو يقول في سره: "وسّع خدني جنبك. حجزتُ مقعداً جمالياً، أمامياً، للأفلام الكبيرة". يضحك سيرجيو ليوني ويقول: "بعينك. "حدث ذات مرة في...". النقد يقول: "منْ جاور السعيد، ملك الويسترن سباغيتي، يسعد. جيرة الهنا".

يكتشف الممثل الميديوكر ريك دالتون، أن جاره الجديد، هو المخرج البولندي رومان بولانسكي، وزوجته الممثلة شارون تيت.

يقول ريك دالتون بسعادة لصديقه كليف بوث: "جاري هو رومان بولانسكي، مخرج فيلم "طفل روز ماري". يمكنني أن أكون على بُعد حفلة مسبح واحدة، من التمثيل في أفلام بولانسكي".

أجمل مشاهد فيلم "حدث ذات مرة في هوليوود"، هي مشاهد الممثل براد بيت. ينطلق كليف بوث بسيارته عائداً لبيته، بعيداً عن عقارات هوليوود الفاخرة. الطريق ينسحب تدريجياً إلى عالَم فقير. مقطورة متهالكة في أرض ترابية واسعة. يسقط كليف بوث مستسلماً لقبلات كلبته من فصيلة بيتبول، اسمها براندي. تنتظر براندي تحضير الطعام، وهي تصدر صوتاً حنوناً، خليطاً من البكاء والدلال.

يُحذّر كليف بوث حبيبته براندي من البكاء :"لو بكيتِ سأرمي طعامكِ في القمامة". لا يقصد كليف بوث ما يقوله لبراندي. إنها لغة الأحبة، تهديد غير جاد، لترويض أشرس فصائل الكلاب، فصيلة بيتبول.

تخضع براندي لطلب كليف. يطول على براندي الانتظار، وأخيراً يصدر كليف بوث صوتاً، فتجري براندي على الطعام.

شارون تيت ساذجة، جميلة، بريئة، لا تعرف شيئاً عن العالَم الخارجي، ترقص حول حمام سباحة، تستمع إلى موسيقى وأغاني البوب، تذهب للسينما، تشاهد فيلماً أقل من المتوسط، شاركت فيه مع الممثل دين مارتن بعد أفول نجمه. شارون تيت طريدة هشة، يدفع عنها كوينتين تارانتينو، مصيرها التاريخي المشؤوم، ليس بالدراما، ولكن بالرفض الطفولي لهذا المصير.

في فيلم "حدث ذات مرة في هوليوود"، ينزع كوينتين تارانتينو، الهالة الفنية عن جماعة الهيبي، فهم كسالى، هواة، قذرون، حاقدون، حريتهم جوفاء، عاطلون عن العمل دون أسباب واضحة، لا يتورعون عن ارتكاب جرائم قتل مرتجلة.

يوصل كليف بوث فتاة مراهقة من الهيبي إلى مزرعةٍ كانت تُستخدم في تصوير أفلام الويسترن. المزرعة كانت مملوكة لجورج العجوز. يريد كليف بوث، بلفتة إنسانية، إلقاء التحية على جورج العجوز، الذي أصبح أسيراً، أو عبداً، لعصابة الهيبي. تتصدى عصابة الهيبي لكليف بوث، بالنظرات الفارغة، البليدة، المنذرة بسوء. لكن بطل تارانتينو الهادئ لا يخاف من النظرات.

يُخيب جورج العجوز أمل كليف بوث، ويكاد ينفي تهمة استعباده من قِبَل عصابة الهيبي. يرفض جورج مُساعدة كليف بوث، بل يرفض تذكُّر كليف بوث الذي كان يعمل معه منذ ثماني سنوات. الفظاظة التي أصبح عليها جورج العجوز، تؤثر في كليف بوث، دون أن يُضمر كليف، ضغينة لجورج العجوز.

الجمعة 8 أغسطس (آب) 1969، أي قبل يوم واحد من مقتل شارون تيت، يعود الممثل ريك دالتون، وبديله في المشاهد الخطيرة، كليف بوث، من إيطاليا، بعد العمل مع مخرجين إيطاليين متوسطي القيمة مثل سيرجيو كوربوتشي.

تذكر كوينتين تارانتينو بعد ستة أشهر من الدراما، أن عليه تغيير مصير شارون تيت المأساوي، ولم يبق لديه سوى يوم واحد.

يُكلف تشارلز مانسون عصابته من الهيبي، بقتل الجميع في بيت شارون تيت. بالصدفة يتعرض ريك دالتون لعصابة الهيبي، وهي تُراقب، وتنتظر الفرصة للهجوم على بيت شارون تيت، المجاور لبيت ريك دالتون. تغير عصابة الهيبي خطتها، وتقرر قتل الجميع في بيت ريك دالتون.

بالصدفة أيضاً يوجد في منزل ريك دالتون، صديقه، وبديله، كليف بوث، وكلبته الرقيقة، المتوحشة عند اللزوم، براندي.

كليف بوث يُحضر طعام براندي. تكتشف براندي عصابة الهيبي. يفتتح كليف بوث حديثاً مع عصابة الهيبي، ويُشير بيده من وراء ظهره، لبراندي ألا تهاجم، وبعد لحظات يصدر صوتاً، فتهجم براندي بشراسة، لتمزيق لحم عصابة الهيبي. هكذا أنقذ كوينتين تارانتينو الممثلة شارون تيت.