الرئيس الفلسطيني محمود عباس.(أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس.(أرشيف)
الثلاثاء 10 ديسمبر 2019 / 19:13

السلطة وإسرائيل الآن

الرأي العام الفلسطيني لا يتفهم ولا يتعاطف مع زنقة السياسيين، فما يراه على الأرض يجسد فشل المشروع، وما تفعله إسرائيل يجسد ابتعاد المخرج

أكثر العلاقات غرابة بين طرفين، هي العلاقة الفلسطينية -الإسرائيلية. فمن جهة، تبدو هذه العلاقة متداخلة ومتشابكة وعلى نحو يستحيل فرزها، ومن جهة أخرى تبدو عدائية متنافرة يستحيل تطبيعها، والسبب الجوهري الذي أوصل العلاقة بين الطرفين الى هذا المستوى من التداخل والتعارض، هو مشروع السلام الذي كان الارتجال والتسرع فيه السمة الأساسية له.

الإسرائيليون وفي زمن الليكود فرضوا منهجاً للتعامل مع مشروع السلام. فأخذوا من الاتفاقات ما يناسبهم وألغوا ما يناسب الفلسطينيين.
الرئيس محمود عباس الذي كان يسمى لسنوات مهندس أوسلو، تحول إلى عنوان لمرحلة صراع مرير مع الإسرائيليين، ولكنه وجد نفسه في ذات الوقت الحارس على الهوامش الضيقة التي توفر متنفساً للفلسطينيين ولا بديل عنها سوى الاختناق.

الرئيس عباس ومن خلال كونه الأكثر دراية بخلفيات وحيثيات أوسلو، يمر بهذه المرحلة بحالة صعبة مطوقة بجدران الاستحالة. كيف يحافظ على الهوامش الضيقة وفي الوقت ذاته يهدئ التذمر الفلسطيني المتنامي الذي تغذيه كل يوم سياسات إسرائيل ذات المضمون الحربي تجاه الفلسطينيين؟.

الرأي العام الفلسطيني لا يتفهم ولا يتعاطف مع زنقة السياسيين، فما يراه على الأرض يجسد فشل المشروع، وما تفعله إسرائيل يجسد ابتعاد المخرج، وبين الإحساس بالفشل وابتعاد المخرج تتصرف الطبقة السياسية بارتجال يبدو للمواطنين غير مفهوم من معظم جوانبه.

في وسائل الإعلام يتلقى المواطن الفلسطيني جرعات عصية على الهضم من تهديد ووعيد لإسرائيل، وفي المظاهرات والمهرجانات يتبارى الخطباء في إظهار التشدد حتى أن كثيرين ممن يعيشون في حضن عباس يدعون إلى ما لا يستطيعون فعله.. إلغاء الشيكل كعملة متداولة واستبدالها بعملة افتراضية، وقف التعامل التجاري مع إسرائيل التي وضعت اتفاقية باريس بيد إسرائيل مفتاح الإغلاق والتسهيل.

لم يعد المواطن الفلسطيني يصدق ما يسمع، فما يراه على الأرض فعلاً هو تسارع العمل الإسرائيلي الكارثي في كل الاتجاهات، والفلسطينيون المصابون بخيبة أمل من مآلات مشروع السلام وكيفية تعامل طبقتهم السياسية مع انهياره، هم أكثر شعوب الأرض تمسكاً بحقوقهم وحلمهم بالحرية والاستقلال، ولا أغالي لو قلت هم أكثر شعوب الأرض عطاءً وتضحية للحفاظ على قضيتهم العادلة.

هم لا يستحقون خطباً نارية مفرغة من المعنى، بل يحتاجون إلى طبقة سياسية تحسب جيداً وحين تطرح سياسة تقول كيف يمكن أن تطبق.
لقد انتهى زمن الشعارات والخطب المهيجة، وجاء زمن يحسب فيه الناس مصالحهم وكيفية الحفاظ عليها، مستذكرين ماذا حل بالأمة حين استبد بها الشعار بديلاً عن الحسابات والعمل. كانت النتيجة لهذه المعادلة البائسة هزائم لا حصر لها، وحتى إذا بدا لنا في حالات معينة بعض الانتصارات كانت لغة الشعارات تتكفل بتحويلها إلى هزائم.