عناصر من الحرس الثوري في عرض عسكري.(أرشيف)
عناصر من الحرس الثوري في عرض عسكري.(أرشيف)
الثلاثاء 10 ديسمبر 2019 / 20:29

وزير عوني ينتفض!

يوماً بعد يوم منذ أكثر من خمسين يوماً، يستعيد اللبنانيون بعضاً من ملامح سيادتهم الوطنية المسلوبة من أمراء الطوائف والحرب، وتفرض احتجاجاتهم السلمية معايير جديدة على الطبقة الحاكمة وتلزمهم مواقف سيادية

ليس عابراً تنديد وزير الدفاع اللبناني في حكومة تصريف الاعمال الياس بوصعب بقول مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء مرتضى قرباني إنه "إذا ارتكبت إسرائيل أصغر خطأ تجاه إيران، سنسوي تل أبيب بالتراب انطلاقًا من لبنان". فمع أن الوزير اللبناني لا يستطيع عملياً أن يمنع حزب الله، إذا قرر شن حرب على اسرائيل تنفيذاً لأوامر من ايران، ، فإن انتفاضته لسيادة لبنان واستقلاله بوجه قيادي إيراني تعتبر خطوة لافتة من مسؤول ينتمي الى التيار الوطني الحر المرتبط بتفاهم مع حزب الله يكاد يغير ملامح لبنان.

بوصعب قال على "تويتر" إنه اذا صحَّ ما نُسب الى مستشار قائد الحرس الثوري الايراني، "فإنّه لأمر مؤسف وغير مقبول وتعدٍّ على سيادة لبنان، الذي تربطه بالجمهورية الاسلامية الايرانية علاقة صداقة". وأضاف أنّه "لا يجوز أن تمسَّ استقلالية القرار اللبناني بأيّ شكل من الاشكال".

ولم يكن بوصعب المسؤول اللبناني الوحيد الذي استفزه الكلام الإيراني. فوزير الإعلام جمال الجراح المنتمي إلى كتلة تيار المستقبل رفض هذا الكلام أيضاً، إضافة إلى نواب وناشطين وحقوقيين طالبوا الحكومة برد صريح على هذا الكلام.

كثيرة هي المرات التي انتهك فيها مسؤولون إيرانيون سيادة لبنان، وليس أقلها ذلك الخطاب الشهير لعضو في مجلس الشورى اعتبر فيه لبنان محافظة إيرانية. ولكنها تكاد المرة الأولى يستفز كلام مسؤول إيراني مسؤولين لبنانيين، بمن فيهم وزير أقل ما يقال عنه إنه يدور في فلك محور طهران في لبنان.

لا شك أن كلام بوصعب يندرج في إطار المعادلة الجديدة التي فرضتها "ثورة 17 تشرين" الاول (أكتوبر). فالحركة الاحتجاجية الأهم في تاريخ البلاد منذ الاستقلال غيرت الكثير من سلوكيات النظام الحاكم وأدبياته، وإن تكن لم تصل الى تغيير النظام برمته.

يوماً بعد يوم منذ أكثر من خمسين يوماً، يستعيد اللبنانيون بعضاً من ملامح سيادتهم الوطنية المسلوبة من أمراء الطوائف والحرب، وتفرض احتجاجاتهم السلمية معايير جديدة على الطبقة الحاكمة وتلزمهم مواقف سيادية تخلوا عنها طويلاً لصالح المصالح الخارجية والحسابات الداخلية الضيقة.

في الشكل، يبدو كأن انجازات الانتفاضة التشرينية توقفت عند إسقاط حكومة سعد الحريري ومنع تكليف شخصيتين لرئاسة الوزراء بحجة عدم اعتماد المعايير المنصوص عليها في الدستور، من دون أن تتمكن من تحقيق أي اختراق في الأزمة السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد. ولكن الانتفاضة التي تتقدم بخطى بطيئة وإنما ثابتة، في اتجاه زعزعة نظام طائفي فاسد أفقد لبنان معناه وشرع أبوابه لتدخلات من كل حدب وصوب، حققت أيضاً مكاسب ذات دلالات رمزية كبيرة، ولعل آخرها فرض الدفاع عن سيادة لبنان بنداً أساسياً في خطابات مسؤولين، حتى وإن كان المعتدي "دولة صديقة" مثل إيران.