عراقيون يتظاهرون ضد الفساد (أرشيف)
عراقيون يتظاهرون ضد الفساد (أرشيف)
الجمعة 13 ديسمبر 2019 / 12:57

كيف سقط العراق بين براثن إيران؟

كتب الصحافي الأمريكي جيمس ريزين، في تقرير بموقع "إنترسبت"، أن العقوبات الأمريكية القاسية ستدفع إيران إلى تشديد قبضتها على العراق، لافتاً إلى أن الاحتجاجات الضخمة، والمستمرة في بغداد، وطهران، التي ردت عليها قوات الأمن بعنف، أسفرت عن تغيير الديناميات السياسية في العراق وإيران، بشكل متسارع.

العديد من الزعماء الشيعة الذين وصلوا إلى السلطة في العراق بعد الغزو الأمريكي قضوا سنوات من المنفى في إيران

ولكن مصير الاحتجاجات في البلدين لا يزال غير واضح، في رأي الصحافي، وإذا كانت ستقود إلى تغيير كبير، أو إذا كانت الولايات المتحدة ستلعب دوراً في تشكيل النتيجة النهائية.

قمع احتجاجات العراق
ويوضح الصحافي أن المؤسسة السياسية في العراق اهتزت منذ بداية الاحتجاجات في بغداد والمدن الأخرى في 1 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، مع خروج العراقيين إلى الشوارع غاضبين من فساد النظام الحاكم، ونقص الخدمات الأساسية، والهيمنة الإيرانية على الحكومة العراقية.

وردت قوات الأمن العراقية بقمع المتظاهرين بعنف. وفي أواخر نوفمبر(تشرين الثاني) أسقط المتظاهرون العلم الإيراني، ورفعوا العلم الوطني العراقي على القنصلية الإيرانية في النجف قبل إشعال النار في المبنى.

وفي البداية رفض زعماء العراق مطالبة المحتجين بالإصلاح، ولكن مع استمرار المظاهرات، استقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي من منصبه في 30 نوفمبر(تشرين الثاني) الثاني، وحاول عبد المهدي الاستقالة قبل ذلك بشهر تقريباً، ولكن تدخل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الذي يتمتع بالحصانة في العراق، أبقاه في السلطة.

تبعية عبد المهدي 
ويُشير الصحافي إلى أن تدخل سليماني حصل قبل نشر موقع "إنترسبت" وصحيفة "نيويورك تايمز" البرقيات الاستخباراتية الإيرانية المسربة، والتي ووثقت بشكل علني لأول مرة وجهة نظر إيران لتأثيرها العميق في العراق.

وكشفت تلك البرقيات التي أرسلتها وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية بين 2013 و2015، أن العديد من المسؤولين السياسيين، والعسكريين، والأمنيين في العراق يقيمون علاقات وثيقة مع طهران منذ سنوات، خاصةًعبد المهدي الذي شغل سابقاً منصب وزير النفط العراقي والذي يتمتع "بعلاقة خاصة مع إيران".

ورغم العلاقة الوثيقة مع عبد المهدي، إلا أن إيران وبحلول نهاية نوفمبر(تشرين الثاني) لم تعد قادرة على حمايته بسبب الضغوط الشديدة، ووافق البرلمان العراقي بسرعة على استقالته حتى في غياب خلف واضح له.

ويلفت الصحافي إلى أن واشنطن كانت سعيدة برحيل عبد المهدي الذي اعتبرته في البداية حلاً وسطاً مقبولاً، بعد تعيينه رئيساً للوزراء في 2018، بيد أن كبار المسؤولين الأمريكيين أدركوا سريعاً أنه عاجز عن التصدي لإيران، ومن ثم كان عليها توخي الحذر الشديد، حسب مسؤول أمريكي رفيع المستوى، لأن تقاسم المعلومات والتكنولوجيا مع العراق، ربما يتسرب إلى إيران.

ويلفت الصحافي إلى أن عبد المهدي أخفق في التعامل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو حتى البيت الأبيض. وأشار أحد كبار المسؤولين الأمريكيين، إلى أنه رفض دعوة للقاء ترامب عندما زار العراق في عيد الميلاد الماضي، واختار التحدث معه هاتفياً.

ورفض عبد المهدي أيضاً مقابلة نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس عندما سافر إلى العراق في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، وفي المقابل، كان عبد المهدي يسافر بانتظام إلى طهران لمقابلة المسؤولين الإيرانيين.

احتجاجات ضد الملالي
ويقول الصحافي: "مع تراجع تأثير إدارة ترامب في بغداد، فإن إيران تواجه الآن مشاكل خطيرة في الداخل يمكن أن تتداخل مع سياستها في العراق، إذ اندلعت الاحتجاجات الواسعة في طهران وغيرها من المدن الإيرانية بسبب ارتفاع أسعار البنزين، وتجاوزت مطالب المحتجين الإغاثة الاقتصادية، ووصلت إلى الدعوة إلى الإطاحة بالحكومة الإيرانية".

وتصدت قوات الأمن الإيرانية بعنف شديد للمظاهرات، ولاتزال الأرقام غير دقيقة، ولكن مسؤولاً في وزارة الخارجية الأمريكية أشار في مؤتمر صحافي في الأسبوع الماضي، إلى مقتل أكثر من 1000 متظاهر، بينما قبضت قوات الأمن على 7000 على الأقل.
  
وفي الوقت نفسه، قتلت قوات الأمن العراقية ما لا يقل عن 350 شخصاً حتى الآن في المظاهرات، وتشير بعض التقارير إلى أن الجهود العنيفة التي بذلتها الحكومة العراقية لقمع المظاهرات، كانت بمساعدة الميليشيات الموالية لإيران.

الغزو الأمريكي للعراق
ويعتبر الصحافي أن هيمنة إيران ونفوذها على القيادة السياسية في العراق، هو نتيجة مباشرة للغزو الأمريكي للعراق في 2003 الذي أطاح بصدام حسين.

وبررت إدارة جورج دبليو بوش ذلك الغزو بمزاعم خادعة عن صلات بين صدام وتنظيم القاعدة الإرهابي، والاشتباه في وجود أسلحة للدمار الشامل في العراق.

ويضيف الصحافي "قدمت إيديولوجيا المحافظين الجدد الذين دعموا غزو العراق في ذلك الوقت إدعاءً آخر كاذباً تاريخياً يتمثل في أن الإطاحة بصدام لن تصب في صالح إيران، وادعوا أن الغزو الأمريكي للعراق، سيقود إلى تقويض نفوذ إيران في الشرق الأوسط. ولكن أثبت الواقع أنه كان أحد أعظم الأخطاء في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية، وباتت إيران المستفيد الأكبر من الغزو الأمريكي الذي قضى على أكبر خصم إقليمي للعراق، وسمح أيضاً للأغلبية الشيعية في العراق للاستحواذ على السلطة في بغداد".

وعلى هذا النحو، باتت إيران، القوة الشيعية الرئيسية الوحيدة في المنطقة، وجارة لدولة يسيطر عليها الشيعية، والأهم أن العديد من الزعماء الشيعة الذين وصلوا إلى السلطة في العراق بعد الغزو الأمريكي قضوا سنوات المنفى، في إيران.

التوغل في العراق

وينقل تقرير موقع "انترسبت" عن جون ماغواير، النائب السلبق لرئيس مجموعة عمليات العراق التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أثناء غزو العراق في 2003، أن قرار إدارة بوش بحل الجيش العراقي والتطهير الوحشي للإدارة العراقي ةمن أعضاء حزب البعث، أثار الفوضى ومنح الإيرانيين الفرصة. ويقول ماغواير: "أدى الغضب والاستياء والعنف اللاحقان، إلى فتح الباب أمام إيران واستغلال سليماني وفيلق القدس للوضع". 

ويضيف الصحافي أن إدارة بوش توسطت لمواجهة التمرد الدموي الذي اجتاح العراق بعد الغزو ولتحقيق استقراره، توسطت لوضع نظام انتخابي جديد في العراق يضمن أن يكون التمثيل السياسي على أسس طائفية، ما تسبب في توتر دائم بين السنة والشيعة، وساعد اضطهاد الأقلية السنية من قبل الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد على ظهور داعش في العراق.

العقوبات الأمريكية
وفي الوقت ذاته، أدت جهود ترامب للضغط على إيران بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية إلى نتيجة غير مقصودة، تمثلت في محاولة إيران تشديد قبضتها على العراق.

ويرى كينيث بولاك، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية، أن الإيرانيين تفاعلوا بقوة مع الاحتجاجات في بغداد، لأن العراق منفذ اقتصادي مهم لإيران يساعدها على تجنب العقوبات، ذلك أن اقتصاد العراق حاسم لإيران للتلاعب بالعملة وتهريبها ومواجهة العقوبات الأمريكية.

ويختم الصحافي بأن إيران باتت تعتمد بشكل متزايد على العراق ولبنان، باعتبارهما منفذين للتحرير الاقتصادي، ولكن إدارة ترامب تعتقد أنه أمر جيد لأنه يثبت تأثير العقوبات الأمريكية على إيران.

والواقع أن سياسة العقوبات الأمريكية دفعت إيران إلى تكثيف جهودها للحفاظ على نفوذها في بغداد، ولكن يبدو أن هذه الحقيقة لا تستحق الكثير من النقاش، في واشنطن.